لماذا أراك على كل شيء كأنك في الأرض، كل البشر! وصف جميل لتجربة إنسانية لا أظن أحدا يسلم من المرور بمثلها، فحين يتعلق القلب بأحد، يظل طيفه محاصرا له، حاضرا أبدا لا يغيب، يلوح الطيف في كل التفاتة بصر، ومع كل اهتزازة نغم، وعند كل هبوب لشذى ياسمينة. قائل هذا البيت، هو واحد من أولئك الذين مروا بتلك التجربة، لكنه يختلف عن كثيرين بقدرته الجميلة على تجسيد تجربته في هذه الصورة الدقيقة، (لماذا أراك على كل شيء،،، كأنك في الأرض كل البشر!) فاروق جويدة شاعر ظُلم، فلم يحقق قدرا من الشهرة والذيوع يتناسب مع عذوبة شعره ورقته، ظُلم هذا الشاعر حين لم ينصفه الناس كما أنصفوا شعراء غيره، ففاقه كثير منهم في عالم الشهرة والانتشار رغم أن شعرهم لا يمتاز عن شعره. على سبيل المثال، جويدة في سعة الشهرة لا يبلغ سعة شهرة نزار قباني، رغم أن شعر نزار ليس أفضل في جماله الفني من شعر جويدة، ومع ذلك نجد فارقا كبيرا بينهما في سعة الانتشار وذيوع الذكر. لِمَ لَم يبلغ فاروق جويدة ما بلغه نزار قباني من الشهرة؟ هل هو الحظ، الذي يخدم شاعرا ويخذل آخر؟ إني لا أجد تفسيرا سوى ذلك، فنزار خدمه حظه حقا، جزء كبير من شهرة نزار بسبب كثرة ما رمي به من الحجارة إبان فترة الصحوة، غضبا مما كان يرد في شعره من أبيات أو ألفاظ تحمل تعديا على القيم والأخلاق، تراكم الحجارة تحت أقدام نزار، رفع سمعته إلى الفضاء. أما جويدة، فإن شعره يكاد يخلو مما يصدم الناس ويثير غضبهم، شعر جويدة يتسامى فوق عشق الجسد، وتغيب عنه الحسيات التي كان يفيض بها شعر نزار وتثير غضب بعض الناس. شعر جويدة عاطفي مرهف يعانق الانفعالات الإنسانية، وكثير منه ترفرف عليه روح الحزن الرقيق (إن كان في الحزن رقة)، وربما لهذا السبب لم يغضب منه أحد، ولم يرجمه أحد كما حدث مع نزار. غياب حجارة الرجم عن شعر جويدة، جعلت شعره لا يجد تحت قدميه شيئا يعتليه ليرتفع كما ارتفع شعر نزار. [email protected]