في بداية التسعينات الميلادية، وبعدما فرغ الجميع من حرب الخليج، أطلقت مجموعة استثمارية سعودية شبكة تلفزيونية مستقلة أطلقت عليها «أوربت»، تبث مجموعة من القنوات الترفيهية والأفلام، إلا أنها ضمت أيضا قناة للأخبار أثارت جدلا واسعا حينها. فما الذي حدث؟ انضم للقناة الإخبارية معظم مذيعي وصحفيي إذاعة ال«بي بي سي» البريطانية، الذين وجدوا أن فرصة إنشاء قناة إخبارية عربية قد حانت، خاصة وأن قناة «سي إن إن» الأمريكية قد أدهشت العالم خلال متابعتها ونقلها لأخبار حرب تحرير الكويت التي لا تزال آثارها عالقة في الأذهان. بدأت القناة بث برامجها متخذة خطا تحريريا سيئا جدا وغير معتاد لدى الجمهور، فقد استضافت معارضين عربا، وهاجمت حكومات ورؤساء دول، وحاول مذيعوها القادمون من المهجر أن يمرروا ضغائنهم وخصوماتهم مع حكامهم، وما يحملونه من مواقف مسبقة وكراهية كبيرة. تدخل الملك فهد بن عبدالعزيز وقتها، وأوقف القناة عن البث، وهي التي لم تولد إلا منذ أسابيع، قائلا: نحن لن ندعم من يحرض على الدول الشقيقة، ولا يمكن أن تستضيف شبكة سعودية، قناة للفتنة وإثارة النعرات وتهييج الشارع، لقد استشرف ذلك السياسي المحنك المستقبل مبكرا، واكتشف ما نعانيه اليوم من تلك القناة. لعل السؤال المهم هنا، لماذا لم تستفد السعودية من تلك القناة، وتحول مذيعيها إلى «مرتزقة» يعملون لصالحها، كما قطر اليوم، يقومون بالدعاية الرخيصة لها والهجوم على الدول العربية وإخضاعها، ومعاقبة من لا يدخل بيت الطاعة الإيراني الإخونجي. إنها أخلاق حكام السعودية الثابتة، وسياستها الراسخة التي لا تسمح بزعزعة استقرار دولة عربية مهما وصل الخلاف معها، أو تحويلها لدولة فاشلة كما فعلت الدوحة منذ 20 عاما مع كل هذا العالم العربي. الصدفة المحضة لها أسرارها، فخلال أشهر لاحقة لإغلاق القناة، كان انقلاب يحصل في قطر، يتوج حمد بن خليفة وحمد بن جاسم حكاما على الدوحة، وخلال لقاء صيفي في لندن، اجتمعا مع بعض مذيعي قناة أوربت المنحلة، وتقرر نقلها للدوحة، وإعطاؤهم المساحة الكاملة لتمرير سياساتهم الإعلامية بكل رعونتها، وإطلاق اسم قناة الجزيرة، في إيحاء مبطن للجزيرة العربية، سنعرف فيما بعد أنه لم يتخذ جزافا، بل لترسيخ أحلام حمد المريضة تجاه المملكة، كما صرح بذلك في لقائه مع القذافي. بالفعل بدأت «الجزيرة» العمل في الدوحة، المدهش هو الخليط الذي بدأ يقود القناة، فقد اختارت قيادة قطر أن تمزج بين عرب الشمال القادمين من قناة البي بي سي، وصحفيين ومذيعين محسوبين على تنظيم الإخوان والقاعدة، الأمر الذي حولها إلى قناة هجينة غاية في التطرف، ببرامجها وطريقة تناولها للأخبار بما يخدم أجندة تلك الجماعات. لقد استقر عزم الدوحة وطاقم الجزيرة، بإشراف من الإسرائيلي عزمي بشارة لتحويلها إلى واحدة من أكبر وسائل الدعاية في العصر الحديث، مستخدمة نفس الأسلوب الدعائي النازي الذي يعرف في موقع «ويكي واند» بالتالي: الدعاية النازية كانت من أقوى الأسلحة التي اعتمد عليها الحزب النازي، ولها أيديولوجية سياسية تهدف إلى غزو العالم، إنها دعاية لاعقلانية تهدف لإثارة المشاعر والعواطف لدى الأفراد، وتغلب الدعاية النازية الصورة على التبرير، والحس الاندفاعي على المنطق، استطاع الإعلام الألماني أن يُدخل نظام الدعاية التي خُططت بشكل متطور بواسطة وزير الدعاية الألماني «يوزيف جوبلز»، واستخدمت الدعاية من خلال وسائل الإعلام الحربي في ذلك الوقت، حيث اعتمدت على المنشورات، والإذاعة، ومكبرات الصوت بشكل يثير الغرائز الأولية للفتك والتدمير، وحين ننظر إلى الدعاية الألمانية من ناحية قوتها الباطنة أي ما تنطوي عليه، فإنها تبدو في الواقع كأنها مدفعية سيكولوجية تستخدم كل ما من شأنه أن يصدم ويزعزع الكيانات، «انتهى». تحولت الجزيرة من كونها قناة إخبارية إلى جهاز دعائي يمارس نفس ما مارسته النازية من غسل للأدمغة واحتجاز للناس داخل أجندتها، واقتيادهم لتنفيذ مخططاتها، واستخدمت لذلك الصورة والصوت المؤثرين، والنصوص المكتوبة بطريقة غير محايدة، إنها نفس الطريقة النازية، وهو ما أحدثته الجزيرة تماما خاصة في المجتمعات الرخوة التي ساعدها فيها جماعات الإخوان واليسار. هكذا تحولت الجزيرة إلى وسيلة نازية ولكن في شكل حديث، وأصبح عزمي بشارة هو يوزيف جوبلز، وأنتجت الجزيرة ما أنتجته النازية من موت ودمار، ففي رقبتها ورقبة من دعمها وأدارها 50 مليون عربي ما بين قتيل ومشرد ولاجئ.