أيقظته أمه قبل السحور، ليحضر ثور عصيبهم (بن مشني) من قرية مجاورة، قال لها «دخيلك خليني أرقد شوية بعد بدري يمه، وما زالت الدنيا غدرة»، علقت وهي ترفع غطاء قدرها «يا غلتي أخاف تحمى عليك الشمس وأنت جاي في الطريق، والدياس بكرة، قم غسّل وجهك، وكل لقمتين، وافلح الله يفلح معك». انتفض مع الدعوات النقية، تناول غرفة من طشت قطار القربة، رش بها وجهه، والتبس الثوب، واستقعد قبالة أمه، تزود بما يعينه على المشوار من طاسة البوسن والدراميح، قربت له الماء في غضارة صغيرة، شرب ومسح براطمه ولف عمامته على رأسه وتناوش الريع. حرك حلقة باب المصراع فجاءه الصوت من داخل (من أنت يا عِرْبي) أجاب «أنا سعد جيت آخذ ثوركم للدياس» فتحت السيدة الراقية، وسلمته الثور، فاقتاده، لم تتوسط اللاهبة السماء إلا وقد ربطه تحت الجناح، جاءت الأم بقربتها وأروته، أعجبها سنامه المايل. ما إن خرج ثورهم حبيش، وشاف صبيح قدامه حتى بدأت المناطحة، وأنشب كل منهما قرونه في قرون صاحبه، وبعد مشقة ومحاولات نجحا في فض الاشتباك، وبألف كلفة في اليوم التالي وضعا المصلبة على رقابهما فاقترنا. تابع جارهم حنمة الثيران في الجرين، قال «يا أم سعد أكيد ثوركم وثور بن مشني تراحمو». قالت: هويه ياخه؟ قال: ما يتصارع ويتعارك من الأوادم إلا الأرحام وأكيد الثيران زينا، ضحكت وقالت «الله ياهب لك في العثري». دققوا الديسة مع اقتراب الغروب، طلبت الأم من سعد يسرح يسقي الثيران من الوادي، انطلق بهما وهو يقف في المنتصف لئلا تلتحم، بالقرب من البئر نطح ثور أم سعد ثور بن مشني ولم ترده إلا قاع البئر. صاح الصايح، تفازعت القرية، أحدهم حمل جالوق التمر لكي يفطر الصوام، وآخر جاء بالأتاريك، وثالث وفر الأرشية، ومع انقضاء شطر الليل الأول أخرجوه، حملوه على خشب وسدحوه في المسطح وبدأت مسامرة ومشاورة، نذبحه ما نذبحه، بيحرج يالرافقة قالها واحد يشتي المرقة، ذكوه وتسدّوه وما طلع النهار إلا والخبر عند بن مشني. علمي وسلامتكم.