صدح الديك من فوق بسطة درج عالية وتبعته ديكة عدة بأذانها الشجي فضجت الساحات بالتسبيح والتهليل وثغاء الشاء وخوار البقر ونهيق الحمير وكأكأة الدجاج. صاح الأب في سعيد: سعيد وأنا أبو سعيد أنزل بالفريقة للثور وأعلفه وأربط الشباكة على فمه نبغي ننهي الدياس قبل ما تحمى الشمس. وانطلق سعيد في أداء المهمة حرفيا كما أوصاه أبوه وتساءل سعيد عن سر الاعتناء بالحيوان في القرية أكثر من العناية بالإنسان؟ كانت الأم وبعض النسوة يفرطن حزم القمح في الجرين ولم تبزغ معالم نهار ذلك اليوم حتى جاء العصيب بثوره لأن الدياس بثورين يسهم في إنجاز المهمة وركبوا العداد بدءا من المصلبة المحكمة على رقبتي الثورين إلى توصيل حجر ضخم يقال له (حجر الدياس) أو (خورمة) أوصلوها في خشبة مرنة مرتبطة بالمصلبة وبدأت الثيران دورانها في محيط لا يتجاوز 12 مترا مربعا، وهناك من يتابع مخرجات الثيران ويتلقفها قبل أن تصل الأرض لأنها إن اختلطت بالحب أفسدته، وهناك من يقلب السنابل ليخرج إلى الظاهر ما لم يلحقه حجر الدياس، وتسمع القائم على سوق الثيران يردد (طرّف طرّف، المطرّف كما المريض كل يوم وله عسيّة) فتأخذ الثيران الجانب الأقصى من الجرين حتى تكاد تلامس جدرانه، كنت طفلا صغيرا أتأمل وأغتنم الفرص لركوب الخورمة والمسك بذنب الثور وتلك مرتبة في ذلك الزمن لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، وكنت أتساءل من علّم الثيران فن التجاوب مع الدائسين والدائسات، وما سر هذا الإذعان في هذه الحيوانات الضخمة الممتلئة والمكتنزة شحما ولحما؟ إنه تسخير من رب العالمين. ما أن توسط النهار رابعته حتى دقق المديسة وبدأ حرص الحب والعلف جانبا مرددين (جريننا وما فيه، وما ضمت حواشيه، والبركة آهي فيه) لينتظرون هبوب البحرية أو النجدية للبدء في التذرية ورفع العلف بالحب بين كفوف متقابلة كلها خشنة فتدفع الرياح العلف في الجرين ويمكث الحب في المصبر ليبدأ نقل العلف للسفول في أكياس فيما يوضع الحب في الخصف.. وسلامتكم.