يقتنص أهالي بلجرشي ملتقياتهم الاجتماعية لتعريف الأجيال الجديدة ببعض العادات القديمة التي بدأت في الاندثار مع الوقت، ويحرصون على تجسيد بعض الطقوس التراثية أمامهم خصوصا تلك التي تدعو إلى الفضيلة وتنمي روح التعاون والألفة بين أهالي القرية وتعزز فيهم الشيم النبيلة. ويجمع هذه العادات مسمى «الشيمة» ومن بينها عادة «الطينة» التي كانت تمارس قبل أكثر من 30 عاما وتجمع أهالي القرية الواحدة، فعندما ينتهي الشخص من بناء جدران منزله بالحصى كان ينادي أهالي القرية من منبر المسجد بأن لديه «طينة» وهي تغطية السقف بالبطن والغمى - أي بشجر الشث والعتم- وعندها يقوم أهالي القرية بجلب الأشجار من العقبة، ويحضر كل شخص منهم حزمة من الشجر، ويعاون أهالي القرية صاحب الدار في تغطية سقف منزله حاملين المسحاة والمنثل، وعندما ينتهي البناء يذبح صاحب المنزل ثورا يكافئ به معاونيه من أهالي القرية. وحول هذه العادة يقول العم حميد بن صالح إنها كانت تجسد روح التعاون بين أهل القرية الواحدة، ويهب الناس لمساعدة الداعي والعمل معه بتقريب «الدمار» وهو التراب المخلوط بالماء، والطلوع به إلى أعلى المنزل عبر السلم المصنوع من الخشب مرددين الأهازيج والقصائد التي تزيد من حماس العاملين وتسمى «زملة» ومنها (الله يا من يدرق عن بني عمه الله لا يجعله منا ولا فينا). ويضيف «يحدث ذلك بينما تنهمك نساء القرية في إحضار المياه من الآبار للرجال عبر القربة، وعندما ينتهي الجماعة من الطينة، يقوم صاحب المنزل بذبح ثور مكأفاة لمن ساعده في عملية البناء». ولا يكتفي أهالي القرية بذلك، بل يساعدون صاحب المنزل في ذبح الثور، ويتصدى خمسة أشخاص من أهل الخبرة للذبح ويعلقون الثور بواسطة «ثلاث بطن» وهي بمثابة (الونش) لرفع الذبيحة بعد ربط البطن بعضها البعض ومن ثم يبدأون في تفصيل الذبيحة فيما يقوم آخرون بتقسيم اللحم إلى «سديان» وهو عبارة عن مقدار كيلو لكل شخص، ويعطى كل فرد من الجماعة «سادي» وهي حصته من اللحم ليضعها بالزنبيل أو «القفة». ويؤكد بن صالح أن الأهالي كانوا يسعدون كثيرا بمثل هذه المناسبات التي تنمي فيهم روح التعاون والألفة، وكون اللحم من المأكولات النادرة في ذلك الزمن الذي كان الناس يعانون من الفقر وشح الموارد. وهناك أيضا عادة «الصدة» وتمارس في مناسبات الزواج، ومن خلالها يعلن صاحب الزواج في مسجد القرية عن زواجه، وبعدها يجتمع الأهالي لمساعدة أهله وخدمتهم منذ الصباح الباكر، النساء يساعدن في تجهيز العروس في المنزل والرجال يشتغلون على تجهيز الذبائح وإعدادها. ويعود بن صالح ليؤكد أن هذه العادات انقطعت تماما عند أهالي بلجرشي ولم تعد تذكر إلا في في قصص الآباء والأجداد، وهو ما دعاهم إلى استرجاعها من خلال ممارستها في كثير من الملتقيات والتجمعات العائلية وذلك لتعريف الأجيال عما كان يفعله آباؤهم وأجدادهم.