صاح الصايح من بيت العريفة. الحقو يا خلق الله. افزعوا يا فزاعة. افلحوا يا المفاليح. تناقز الرجاجيل من أطراف الملال حفاة مشمرين. رمى كل ما في يده. حملت النساء قرب الماء على ظهورهن وانطلقن. تلاحقت الجموع في الساحة في زمن قياسي ربما لا تستطيع كسره اليوم فرق الطوارئ. اندهش الحضور. لا أثر لحريق. ولا جسد لغريق. إلا أن ثيران العريفة تنزف. قرونها شابكة في بعض. وزفير وشهيق كل ثور منهما يكاد يتجاوز سمع قرى مجاورة. وبمهارة بعض النشامى تم فض الاشتباك بين (حبيش الأبيض) وبين (صبيح الأحمر). سأل أحدهم: وين عريفتنا عنك يا ضعيفة الله؟ أجابت: سرح المشرق يحتطب على جمله. وأضافت «سويت المواص لثيران الجن. ومن ساعة ما وطيت الحلّة بينهم حتى تناشبوا. وما كان معي حيلة إلا استفزاعي ببيضان الوجيه». عاد العريفة مساء بقرى الجمل قرضاً. وزهم بعض الجيران لحط الحمل. وإيداع الحطب في السفل. دخل الدار. وإذا بالزوجة تحنم. سألها: وشبك تحنمين. يا الله مسا خير. ما تفكينا من الحنمة لا صبح ولا عشي. قالت: والله يا ثيرانك اليوم لبغت تتذابح. لو ما صحت في الجماعة. على ايش تتذابح؟ «على حلّة المواص» أجابته. فرك لحيته. وساقط حبات المسبحة. طلب القهوة المحوّجة. عزم وحزم أمره. في الصباح كان عند أحد المتخصصين في تطبيب الثيران. قال «تكفى صبيح ما أصخاه. ودي تحط له خراز في خشمه لأنه ما يجي منه خلاف. أما حبيش فوالله ما يهجد حتى نخصيه». حمل البيطري أدواته. وطلب أن يؤتى له بحبيش في الجرين. كانت القرية بأجمعها محتشدة فوق المنازل. وعلى جدران المساطح. مشهد مهيب. طلب أعتى الرجال لمعاونته. كان يحمي على النار قطعة حديد حتى أحمرّت. طبعها في موضع خارت معه قوى الثور الأبيض وسقط أرضاً وأنفاسه تستثير ما حوله من أتربة. كان صبيح محظوظاً إذ لم ينله سوى مخراز أدخل من أحد منخريه وأخرج من الآخر. وتم وضع فتيل صغير ليكون مطواعاً ومنقاداً عن الحرث والدياس والسقاء. هجدت الثيران. ولم تعد تتعارك. حتى جاء عيد الأضحى. علمي وسلامتكم.