ارتأى الشيخ صالح كامل رئيس البنوك الإسلامية، ضرورة تطبيق نظام الزكاة والدخل على مستثمري سوق الأسهم، وضرب مثلاً بأن الذين يدخلون هذا السوق بمليون يخرجون منها بعشرين مليونا، وعدم تطبيق الزكاة عليهم له أثر سلبي على المجتمع (الحياة 9 رمضان). وللفقه رأي آخر، فأموال الناس في الصناديق إنما وُضعت للاتجار بها كي لا تأكلها الزكاة، ولكن مع خسارة رأس المال وعدم تحقيقه أي أرباح حتى أصبح لا يمثّل إلاّ قيمة بسيطة، أفنتها السنون وذبذبة العملات وتساقط القوى الشرائية وما تبقّى منها قد تفنيه الزكاة، وإذا أخذنا بقول من يفرض عليها زكاة في كل عام، وهو قول فريق من الحنابلة والشافعية والمالكية وتفرّد الإمام أبو حنيفة بإيجابها بعد مضي الحول من القبض، وإذا كان الأحوط في قاعدة الورع الأخذ بأشد الأقوال وفرضت الزكاة طيلة سنوات بقائها لدى البنك مع الخسارة الدائمة لأموال المستثمر فسوف يخرج خلو اليمين صفر الشمال. فأموال الزكاة يُشترط فيها شرطان، الأول أن يكون المال نامياً أي قابلاً للزيادة ومستعداً لها بطبعه أو بعمل مالكه، وذلك لتكون الزكاة من النماء لا من أصل المال وإلاّ انقلبت استئصالاً للمال. وهذا هو حال المستثمرين في هذه الصناديق، فكيف يخرج لها زكاة! وهو وضعها أصلاً لتنميتها وتقليب رأس ماله للربح، وماله يتقلّب نقصاناً وخسارةً، ومن شروط إخراجها أن يحول على المال الحول لقوله: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»، وهذا المال لم يحل عليه الحول لأنه ليس ثابتاً. والثاني أن يكون النصاب زائداً عن حاجته الأصلية ويدفع عنه ضرر الحرمان كطعامه وكسوته وسكنه وعلاجه وقضاء دينه وهذا حالنا، فمن لجأ إلى الصناديق إنما لسد حاجته وتحسين حالته. فلا تُخرج زكاة على هذه الأموال المضعضعة. يقول الشيخ مصطفى الزرقاء أن الأسهم إذا اقتُنيت من أجل عائدها من الأرباح السنوية أو الموسمية فإنها تُعتبر من المستغلات ولا تجب الزكاة في قيمتها وإنما في ريعها. والصناديق والأسهم محرومة من هذا الريع. وقد تبنّى هذا بعض العلماء الذين يفرّقون بين الأسهم التي هي عروض للتجارة وبين الأسهم التي هي عبارة عن مستغلات وهو رأي الشيخ المنيع والمعاصرين ومن أدلتهم عدم استصحاب العدم الأصلي، إذ لم يرد في زكاتها نص. كما أعفى رسول الله عن صدقة الخيل والرقيق ووجه الاستدلال أن الفرس والعبد من الأموال المستغلة ولا زكاة فيهما وكذلك سائر المستغلات في وقتنا الحاضر. وهذا رأي فيه إجماع بعدم وجوب الزكاة في المستغلات. كما أنه لا يجوز تقويم هذه المستغلات مع الأرباح في إخراج الزكاة. إن علّة وجوب الزكاة في المال النماء وبقاء النصاب لحولان الحول عليه فلو نقص منه ريال واحد في عام الحول لم تكن فيه زكاة. إن إخراج زكاة الأسهم يتم من قِبل البنك، فالدولة تحصلها حسب النظام، فلا حاجة للمواطن وهو الأضعف بإعادة إخراجها، وهذا رأي للشيخ أبو الأعلى المودودي، مُهمّل أثر الخلطة على شركة الأموال. أن الزكاة متعلقة بالمال لا بصاحبه كما أن البنك قائم فليس للمساهم فيه حق عيني ولا المطالبة بقيمة سهمه وإنما له الحق في الاستيلاء على نصيبه من الأرباح، فالحصة التي يقدّمها الشريك للبنك تخرج عن ملكه وتصبح مملوكة للبنك كشخص معنوي، وهذا هو التكيّف القانوني لوضعه، فيكون إخراج الزكاة واجباً على البنك دون المساهم ويخرجها كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، فتعتبر أموال المساهمين كأموال شخص واحد وتفرض عليه الزكاة أخذاً بمبدأ الخلطة، وهذا رأي مجلس مجمع الفقه الإسلامي (1408ه). لو اعتبرنا أن هناك زكاة في عروض التجارة وأن الصناديق من العروض، فهو أمر مختلف عليه كما قال الشافعي، فمنهم من يرى وجوبها ومنهم من لا يرى لذلك أصل لا من كتاب ولا سُنّة. والمتفق عليه أنه لم يأت عن رسول الله في زكاة عروض التجارة ما جاء منه في الماشية والزروع والنقدين بل كان عامة أهل المدينة يشتغلون بالتجارة وما جاء شيء في وجوب الزكاة في عروض تجارتهم، بل قال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر التجّار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة»، وهي غير لازمة ولا محدّدة، ولكن ما طابت به أنفسهم، ولو كان فيها زكاة لكان هذا موضع بيانها. يقول مالك لا زكاة في عروض التجارة ما لم تنض ويعتبر دراهم أو دنانير، فإذا نضت لزمه زكاة عام واحد. وقال ابن عباس لا زكاة في عروض التجارة واحتج بحديث: «عفوت عن صدقة الخيل والرقيق»، وكان في بيت آل الخطاب الصحيفة التي بيّن فيها رسول الله أحكام الزكوات وليس فيها شيء من وجوب الزكاة في عروض التجارة.