في هذا العالم المتغير بهواجس الزعامة، والذي يقوده السباق المحموم من أجل المال، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ضبط إيقاع العالم على مثيله الأمريكي. ربما يكون ترمب قد اقتنع، بعد لقائه القادة الأوروبيين في بروكسل أن الاتحاد الأوروبي لم يعد موجودا وأن الناتو لن يخدم مصالح بلاده، ونسي في غمرة قراراته أن مصالح أمريكا تتأرجح بين مد وجزر، وأن الناتو قد يخدم مصالح أمريكا الموجودة على جبهات الصراع في أفغانستان، العراق، سورية واليمن. ترمب الذي دخل في نزاع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حين أراد أن يمد يده له، عاد ليغازل بصورة مبالغ فيها الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني إكسي جينبينغ، وهو ما يلوح بسياسة رجل البيت الأبيض، الذي كان يصرخ علنا «جئت للبيت الأبيض لأصنع الفارق». وعد ترمب بكثير من الأشياء في حملته الانتخابية، واختلف المراقبون على جديته في تكريس ما قاله في حملته ولكن يبدو أنه بدأ في تجسيد ذلك، إذ حبس العالم أنفاسه مساء «الخميس» بقرار ترمب الانسحاب من اتفاق المناخ، رغم محاولات إقناعه بالعدول عن ذلك. وبهذا القرار، أكد نيته في تكريس «الانعزالية الأمريكية»، وتوجيه ضربة لجهود المجتمع الدولي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. وبما أن الولاياتالمتحدة ثاني أكثر الدول تلويثا للبيئة في العالم بعد الصين، فهي بهذا القرار تضع نفسها جنبا إلى جنب مع سورية ونيكاراغوا. ورغم أن هذا القرار صدم العالم، إلا أن المختصين اعتبروا القرار غامضا ومعقدا، ويستدعي بعض التوضيحات. وفيه جانب من الإثارة. فما هو معروف أن إنسحاب الولاياتالمتحدة من اتفاقية باريس سيستغرق سنوات عدة. وعلاوة على ذلك، فإن تصريحه لم يكن واضحا تماما ولمح إلى أنه يتمنى بقاء مشاركة أمريكا في الاتفاق. ترمب يفي بالوعد الذي قطعه في حملته الانتخابية «باستعادة مكانة أمريكا» ووضع حد «للحرب ضد الكربون» ولكن في الوقت نفسه أثار قراره ردود فعل دولية منددة. ماكرون اعتبر قرار الانسحاب «خطأ بحق الكوكب»، مضيفا أن «الولاياتالمتحدة تدير ظهرها اليوم للعالم، لكن فرنسا لن تدير ظهرها للأمريكيين...» فيما رأى قائد الدبلوماسية الفرنسية السابق لوران فابيوس في تصريح إلى «عكاظ» أن قرار ترمب المبرر بالأكاذيب والمهاترات خطأ تاريخي جسيم ضد الكون. وقال مدير قسم أبحاث الغلاف الجوي والبيئة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بجنيف ديون تيربلانش، إن القرار أشغل المجتمع الدولي برمته، لأن مشكلة المناخ تسترعي اهتمام وجهود العالم، وعندما يقرر بلد الانسحاب فهو بالضرورة مصدر قلق للجميع. ومن كل هذا ونحن نتابع ردود فعل قادة العالم، ترتسم أمامنا صورة الرئيس الفرنسي الذي قدم له ترمب فرصة من ذهب، فراح ماكرون يستغلها بذكاء، مخاطبا الأمريكيين بلغة شكسبير، ومغيرا شعار ترمب«استرجاع عظمة أمريكا» باسترجاع مكانة الكوكب، وبذلك جعل ماكرون من أوروبا قارة المستقبل. فهل سينفذ الرئيس الشاب وعوده ويتمكن من عزل رجل البيت الأبيض.