دأب علماء الاجتماع، وتبعهم علماء الإدارة، على قياس محددات السلوك سعيا لتخليق ذكاء اصطناعي، الهدف السامي، أو المعلن، خدمة الفرد لفهم ما يحدث حوله لتحديد سلوكه وموقفه تجاه الحدث، غير أنه انتهى لمحاولة توجيه هذا السلوك وتشكيل هذا الموقف. بعد عدة تجارب اتخذ الأمر مسارين، أولهما محمود وهو فكرة التطوير الذاتي، وثانيهما مشكوك في أمره هو فكرة البرمجيات العصبية التي شط أصحابها كثيرا، وكلاهما تعقد له دورات وظهر له مدربون معظمهم مشكوك في أهليته. من التجارب الرائدة هنا تجربة القرود الخمسة التي وضعها العلماء في قفص به ماء وطعام، وعلقوا بسقف القفص عنقود موز وبجانبه سلّم، وكلما هم أحد القرود تسلقه للوصول إلى الموز رش العلماء باقي القرود بماء بارد، مع الأيام صار القرود يمنعون أياً منهم من صعود السلم حتى لا يُرشوا بالماء، استبدلوا قردا بآخر من خارج المجموعة فتكرر الأمر معه، استمروا في التبديل حتى أصبحت المجموعة جديدة ولكنها دأبت على منع أي قرد جديد من طلب الموز خوفا من الرش الجماعي بالماء. ظهرت تطبيقات جديدة لذات الفكرة، أحضر علماء مجموعة متعاونين معهم لغرفة انتظار طبيب، ودخلت امرأة معها موعد جلست تنتظره بين المتعاونين دون أدنى معرفة بهم أو بالتجربة، فجأة يسمع الجميع رنة جرس فيقفون جميعا إلا هذه المرأة، تكررت الرنة على فترات وفي كل مرة يقف الجميع والمرأة محرجة حتى اضطرت للوقوف معهم كلما سمعت الرنة دون أن تعرف لماذا، تناقص عدد الموجودين حتى لم يبق سواها، رن الجرس فوقفت وحدها، دخل شخص جديد وجلس ينتظر موعده، رن الجرس فوقفت المرأة، نظر لها الرجل وسأل لماذا وقفت، أجابت لا أعلم ولكن كل من كان هنا كان يقف مع سماع الجرس. في تجربة مرادفة أحضروا مجموعة متعاونين بين شخص متبحر في العلوم الرياضية، وأخذوا يسألونهم عن معادلات رياضية بسيطة ومعقدة، والجميع يجيب خطأ إلا هذا الشخص، تكررت الأسئلة فبدأ يميل إلى عدم معارضتهم، ثم انتهى إلى موافقتهم برغم علمه أن الإجابة خاطئة. قبل ظهور هذه التجارب بفترة طويلة، تنبأ جون ميلر في كتابه الجميل «The Mind Managers» بإمكانية تشكيل ذكاء صناعي، بإعادة تشكيل طريقة التفكير لدى الفرد، لعل أفضل أمثلتها فترات الإعلان التلفازية، تبدأ صباحك لتخبرك بأفضل أنواع القهوة أو الشاي، ثم أفضل إفطار، فالسيارة المناسبة لأخذك لعملك، وأحسن غذاء لمنتصف النهار، وهكذا حتى تعيدك إلى بيتك لتخبرك أي برامج التلفار تشاهد، وتختار لك عشاءك الأنسب حتى تنيمك على السرير الأمتن والمرتبة الأنعم. بارنيت تنيت يخبرنا في كتابه «Global Reach» عن كيف تتحكم أكبر مئة شركة عالمية في ملايين من البشر، نوع تعليمهم وثقافتهم وآراءهم، مستوى معيشتهم وطرق حياتهم، عنوان كلا الكتابين أضحى عنوان المرحلة، فالجميع يتحدث عن الخرائط الذهنية تجاريا، والتواصل العالمي عبر تجارة الإنترنيت، ليبقى السؤال كيف ينحرف العلم عن خدمة الإنسانية لأغراض أقل إنسانية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.