المتابع للحوارات والنقاشات التلفزيونية سيلاحظ خوف الضيف السعودي ، خصوصا إذا كان الضيف يتسنّم وظيفة ذات بال . نجده يدور حول المعنى الذي في ذهنه ، وينطقه ببطء وتلعثم وربما بصعوبة وتمتمة . ولو قسنا ضغط دمه لوجدناه مرتفعا . أقصد عندما يتعلق الموضوع بتسهيل وصول كتاب ما إلى القارئ المحلّي ، أو بهيئة الأمر بالمعروف ، أو بقيادة المرأة للسيارة أو بعمل المرأة نجده يقول " المجتمع " بدل الهيئة – مثلا . ويُكثر من ترديد عبارة " الجهة المختصة " كذلك يكثر من عبارة " خصوصية المجتمع " . يظن الضيف أن الحكومة ستحاسب المشترك في الحوار على كل كلمة قالها (وهذا غير صحيح) . لكن الإعلام جديد على تفكير أولئك ، والوظيفة غالية ، و" الحذر زين!" . ذات يوم مضى وصل إلى الرياض الزعيم اللبناني الراحل كمال جنبلاط . وكان آنذاك لا يُعرف إلا بأنه زعيم أو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي . ومفردتا " تقدمي واشتراكي " مطرودتان – في تلك الفترة - من رحمة الرقيب . فظهرت كل الصحف المحلية والراديو والتلفاز مُختصرة اللقب ، واكتفت ب" رئيس الحزب ". وأذكر أنني أهديتُ إلى أحد الأصدقاء ، ممن كان لهم كلمة مسموعة في الإعلام بأن قلت : لو استعملتم صفة " الزعيم اللبناني المعروف " لما طالكم شرّ . وتذكّرني وقائع كهذه بنظرية أو تجربة القرود الخمسة وقرأتها ضمن مقالة في الإدارة . وقالت التجربة: - أحضرْ خمسة قرود، وضعها في قفص! وعلّق في منتصف القفص حزمة موز، وضع تحتها سلّما. بعد مدة قصيرة ستجد أن قردا ما من المجموعة سيعتلي السلم محاولا الوصول إلى الموز. ما أن يضع يده على الموز، أطلق رشاشا من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم!! بعد قليل سيحاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، كرر نفس العملية، رش القردة الباقين بالماء البارد. كرر العملية أكثر من مرة! بعد فترة ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفا من الماء البارد. الآن، أبعد الماء البارد، وأخرج قردا من الخمسة إلى خارج القفص، وضع مكانه قردا جديدا (لنسمه أ) لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد سرعان ما سيذهب ( أ) إلى السلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه وستهاجمه . بعد أكثر من محاولة سيتعلم ( أ ) أنه إن حاول قطف الموز سينال عقابا من باقي أفراد المجموعة! الآن أخرج قردا آخر ممن عاصروا حوادث رش الماء البارد (غير القرد أ) ، وأدخل قردا جديدا عوضا عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر من جديد. القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضربا لمنعه. بما فيهم ( أ ) على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء، ولا يدري لماذا ضربوه في السابق، كل ما هنالك أنه تعلم أن لمس الموز يعني (علقة) على يد المجموعة. لذلك ستجده يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد (ربما تعويضاً عن حرقة قلبه حين ضربوه هو أيضا .استمر بتكرار نفس الموضوع ، أخرج قردا ممن عاصروا حوادث رش الماء، وضع قردا جديدا، وسيتكرر نفس الموقف. كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء حتى تستبدلهم بقرود جديدة! في النهاية ستجد أن القردة ستستمر تنهال ضربا على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم. لماذا؟ لا أحد منهم يدري!! لكن هذا ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت! هذه القصة ليست على سبيل الدعابة. وإنما هي من دروس علم الإدارة الحديثة.