alma3e@ تُعرف محافظة «رجال ألمع» في منطقة عسير بكثرة أدبائها؛ شعرا، وقصة، ورواية، ومجالس أدبية تتجاوز ثلاثة في بقعة صغيرة تخنقها الجبال وكثرة العقبات ونقص الخدمات. ونحن نتجه إلى «رجال ألمع» في جولتنا الصحفية، كان هدفنا أن نقف على الحقيقة كما هي، ولأننا قادمون من «أبها» باتجاه «السودة» لم يكن أمامنا إلا التجاسر على خوفنا ونحن نعبر عقبة «الصماء» الوعرة، التي تشكل منحدراتها مصدرا للخوف والريبة، توخينا الحذر، واعتمرنا الحيطة في القيادة، فليس سهلا النزول من أعلى قمة في جبال السروات إلى بطون الأودية والشعاب في طريق ضيقة ومتعرجة تزدحم بالسيارات الصاعدة إلى أبها، والهابطة إلى رجال ألمع. كانت الأجواء التي قررت فيها عمل جولة صحفية لأجزاء كبيرة من محافظة رجال ألمع «ممطرة»، بدأت من شمال المحافظة ابتداء بقرى «الأهمال» و«سنومة» و«الجرف» و«الشعبين» (عاصمة المحافظة الإدارية)، ولأن الجولة لم تكن من أجل النزهة بقدر ما كانت صحفية خالصة، لم يكن هناك ما يلفت الانتباه أكثر من الهواء العليل وزخات المطر المتساقطة بين حين وآخر تغسل الأمكنة والنفوس. التقت «عكاظ» في جولتها بمواطنين من رجال ألمع، من قرى مختلفة؛ وليد جابر (الشعبين)، شرفي محمد (الحبيل)، علي دهل (الصليل)، فايع الحياني (حسوة)، علي الغمور (الأهمال)، عبدالله السلمي (الميل)، إذ اتفقوا على أن ثمة قصورا كبيرا في الخدمات البلدية والصحية والطرق، وأضرارا كبيرة يلحقها التجاهل بطلباتهم المستحقة التي تدعمها الدولة بسخاء، إلا أن غياب الخطط الواضحة والشفافة لدى بلدية المحافظة والطرق والصحة يعيق هذا العطاء ويحرم المواطنين منه. ويقول علي دهل: «لدينا طلب سابق لتنفيذ عبارة تربط الأهالي بالشارع العام بعد تنفيذ الطريق على نفقة بعضهم، إلا أنه لم ير النور، ولم يُرد عليهم حتى الآن، إضافة إلى إنارة طريق «الصليل»، الذي يخدم كل قرى حسوة وقارية بني جونة وصلب وغيرها، إضافة التنسيق مع إدارة المواصلات في إزالة مخلفات مشروع حسوة بأي طريقة كانت، فهي خطر يهدد حياة الناس ومنازلهم». من جانبه، أضاف شرفي محمد : «الحبيل تحتاج إلى أشياء كثيرة، أيسرها إنشاء ممشى وملاعب للشباب على طريق ريم أو على الخط الرديف الجديد، إضافة إلى تنظيم الورش والمحلات التجارية بطريقة سليمة، كأن يكون هناك موقع للصناعية، وآخر لسوق الخضار، كما هو الحال في سوقي العسل والغنم والأعلاف». ويرى نائب الشعبين وليد جابر أهمية إعادة «سوق الأحد» التاريخية لدعم السياحة وخدمة المحافظة، إضافة إلى الاهتمام بمداخل وساحات جامع الملك فهد، من حيث الأرصفة والإنارة والنظافة، وزيادة الكوادر الصحية التي تعاني من نقصهم. فيما يؤكد علي الغمور أن قرية «الأهمال» تحتاج إلى استكمال مشروع العقبة الذي انسحب منه المقاول وترك القرية معزولة عن المحافظة كلما هطلت الأمطار. أما فايع الحياني فيقر بنقص الخدمات الحكومية في «حسوة» كالدفاع المدني والطرق ومياه التحلية التي طالبوا بها كما يقول، إلا أنه لا مُجيب. لكن عبدالله السلمي ذهب إلى أبعد من هذه الطلبات الفئوية التي يراها حقا، لكنه يرى أن محافظة رجال ألمع بحاجة ماسة إلى طريق تنموي مباشر يربطها بأبها وساحل عسير على البحر الأحمر، مضيفا «هذا الطريق التنموي لو تم تنفيذه باحترافية هندسية لاستطاع أن يربط مباشرة بين مدن أبها وخميس مشيط والمحافظات المجاورة بمحافظة رجال ألمع وطريق الساحل، وسيكون في مأمن من مخاطر السيول، إذ سيمر عبر سلسلة جبلية حتى يلتقي بطريق الساحل مباشرة»، مؤملا من الجهات ذات العلاقة الإسراع في تنفيذ هذا الطريق الحيوي الهام، كونه سيكون البديل الآمن لطريق عقبة الصماء وضلع وشعار. «حسوة» .. مطالبة بحلول ناجعة لنفق متوقف من رجال ألمع اتجهت إلى حسوة، وشققت طريقها الوعرة باتجاه نفقها المنتظر الذي بُشّر به المواطنون في المحافظة منذ سنوات إلا أن العمل فيه بدا متوقفا، والإنجاز لم يكن مرضيا لانقطاعات السنين التي طالت أبناء «حسوة» والقرى المجاورة، إلى درجة اليأس الذي صاحب الأهالي من كثرة المطالبات دون حلول ناجعة، العمل كما ظهر لنا في جولتنا هذه يسير وفق عشوائية مطلقة، والدليل على ذلك أن الأضرار التي خلفها هذا المشروع شوهت المكان الذي عرف بجماله الطبيعي، فحوّل الجبال المتفتحة بالخضرة إلى جبال جرداء تهدد مخلفاتها ساكنين آخرين في قرى «الصليل» و«البتيلة» وعموم قرى المحافظة الجنوبية دون استثناء. «الشعبين» .. عاصمة إدارية لا تلفت الأنظار في مدينة «الشعبين» التي تعد عاصمة محافظة رجال ألمع الإدارية لا يوجد شيء يلفت الأنظارالمعجبة، فلا حدائق ولا متنزهات ولا أسواق تجارية كبيرة، ولا مباني حكومية شاهقة، باستثناء مبنى البلدية الوحيد الذي يتوسط المدينة ويرتفع عن كل المباني في أعلى قمة جبل شاهق أنفقت عليه أموال طائلة ليبدو معلما وحيدا يلفت الانتباه في المحافظة، إلا أن العابر لا يمكنه تجاهل «سوق المواشي» الذي يقع على استحياء في مدخل الوادي، يُعرف ب «مندر العوص»، إذ تبدو رؤيته للوهلة الأولى لا تسر، نُفِّذ بشكل بدائي، أعمدة حديدية، وشبوك، وأشرعة تغطي السقوف، تخترق السوق بين الفينة والأخرى صهاريج (وايتات) نقل المياه المحلاة من شبكة التوزيع التي تمد قرى المحافظة الشمالية بالمياه، ولا يوجد لها مكان بديل للعبور. سنومة .. مسلخ متعثر وسوق خضار تالفة لفت انتباهي وأنا أتوقف في «سنومة» أن هناك مبنى ضخما في وسط الوادي كتبت عليه لوحة تعريفية تصفه بأنه «مسلخ المحافظة وسوق الخضار والفواكه» لم يفتتح بعد، وحين دخلت إلى الموقع هالني ما وجدت في مبنى جديد أنفقت عليه بلدية المحافظة أموالا كبيرة، لكنه في حالة مزرية، مدخله مغلق بأكوام كبيرة من الصخور، ونوافذه الزجاجية عبثت بها الأيادي لتحطمها قبل أن ينتفع الناس بالمكان، كما أن جدران المبنى شوهت بكتابات قرأت بعضها، واستعصى علي قراءة بعضها الآخر. شصعة .. انتظار حار لمستشفى بطيء التنفيذ انتقلت إلى قرية «شصعة» التي دشن فيها مستشفى المحافظة الجديد عام 2012، وسلّم المقاول المشروع، كما وضع فيه حجر الأساس، كتب على اللوحة التعريفية بأنه يتسع ل 200 سرير، وكما بدأ لي العمل فيه بطيئا، والإنجاز لم يكن مناسبا للوعود السابقة التي بشرت بإنجازه في وقت مناسب، وبرغم الاختلاف الكبير على موقعه الحالي، إلا أن هناك مرضى ما زالوا ينتظرونه على أحر من الجمر في ظل غياب الخدمات الصحية الجيدة في المحافظة. رُجَال .. معلم تاريخي ينتظر أبسط الخدمات انتقلت إلى القسم الجنوبي في المحافظة، عبرت نقطة التفتيش التي تفصل المحافظة في قسمها الشمالي عن القسم الجنوبي، اخترقت «النفق» الأول، واتجهت «يسارا» إلى قرية رجال التاريخية، التي تعد المعلم الأبرز في المحافظة، وكما بدت عامرة بالحركة والنشاط، وتوافد الزوار لرؤية المباني الحجرية، والقصور الشامخة التي عمرها الإنسان الألمعي، في نمط معماري فريد، إلا أن الزائر لها يفتقد لأبسط الخدمات المهمة كالسكن والترفيه. «الحَبِيْل» .. المنطقة المهمشة قرية أم مدينة؟ باتجاه «الحَبِيْل» التي لا تعرف هل هي مدينة أم قرية، كانت جولتنا الأخيرة في محافظة رجال ألمع، ويعتقد الأهالي أنها همشت زمنا طويلا، ولم تكن تحظى بالاهتمام والعناية لا على مستوى المشروعات التنموية، ولا على مستوى الخدمات البلدية، مع أنها تمتلك مقومات كبيرة لتكون مدينة عصرية، إذ تزدحم بالسكان، وتكثر فيها الأراضي المنبسطة الصالحة لإنشاء الحدائق والمتنزهات والأسواق التجارية والاستثمار الزراعي، إلا أنها تعاني من قصور الخدمات، إذ يكفي أن تشاهد أرضا منبسطة على مساحة جدية أحيطت بسور حديدي، علمت أنها حديقة عامة مقترحة، لكنها بقيت مسوّرة دون إنجاز يذكر.