للأسف الشديد غدت العبادات عند البعض تفاخرا، وقفزت من هذه الخانة إلى خانة الرياء عبر زمن قصير، فمنذ دخول كاميرا الجوالات غدا كل فعل تعبدي مجالا لتطهير السمعة واكساب المرء صفة العابد. كل من هؤلاء لجأ إلى نسك وحوله من عبادة خاصة بينه وبين ربه إلى معرض أممي لإظهار أنه العابد الملتزم... وقد ظهرت هذه الشوطة التعبدية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فكل واحد من هؤلاء العبّاد يأخذ (سيلفي) لنفسه في المسجد أو في حلقة ذكر أو وهو يوزع صدقة أو يعانق أحد عمال النظافة أو ينصح بإتيان أفعال البر أو تجده قائما لدعوة غير المسلمين للإسلام (وبضغطة زر يسلم كل من يعرض عليهم الإسلام)... هذه السنّة السيئة كان لبعض المجتهدين من الدعاة دور كبير في انتشارها بين الناس، حين يصور أحدهم مقطع فيديو وهو يقوم بفعل تعبدي يدعو أو يتصدق أو يصلي، وتعميم ذلك الفيديو بين الناس مع تزيين الفعل، ومع انتشار هذه السنّة السيئة لم أجد أحدا ينبّه لخطورة تحويل العبادة إلى رياء (ورياء صارخ) ونحن الذين نعلم أولادنا في المدارس والمساجد أن الرياء هو شرك أصغر. هذا الشرك الأصغر يمارس في كل مكان إلا أن من الدواهي أن يمارس هذا الشرك في بيت الله الحرام وفي المسجد النبوي، إذ تجد المعتمر يتصور مع الكعبة أو مع الحجر الأسود ويتعلق بسائر الكعبة وهو على الهواء مباشرة مع متابعيه.. وكذلك زوّار قبر المصطفى عليه السلام، جماعات كثيرة كل منهم يحمل جواله ليصور، فأين الخشوع في بيت الله أو أمام قبر الرسول عليه الصلاة والسلام؟ حقيقة أحمّل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي مسؤولية هذا الفعل فلو قامت الرئاسة بأي إجراء لحماية قدسية الحرمين لربما خفت التفاخر بهذا الشرك الأصغر... ولو قام كل داعية أو إمام مسجد بتنبه الناس بأنهم يمارسون الرياء من حيث لا يعلمون... فقط تنبيه.. وإذا كانت المتاحف العالمية تمنع تصوير محتويات المتحف فعلى الأقل يصدر قرار بمنع التصوير داخل الحرمين المكي والمدني حماية لقدسية المكان، ومنع الناس من الوقوع في الشرك الأصغر.