يصف بعض النقاد المثقفين العرب بأنهم مروضون، منزوعو المخالب والأنياب، ولذلك هم سلبيون في مواقفهم، مقصرون في القيام بواجبهم تجاه الدفاع عن مجتمعاتهم! هذه ليست المرة الأولى التي يقال فيها مثل هذا الكلام، فأمثالها يتكرر كثيرا على مسامعنا، وتكررها يوجه أنظارنا نحو زاوية أخرى لا علاقة لها بنقد سلبية المثقفين، وإنما هي تتعلق بمفهوم المثقف والصورة الذهنية المرسومة له! العبارة السابقة تصور المثقف كما لو أنه مخلوق مختلف عن الآخرين، من صفته الأساسية أن تكون له رسالة يؤديها ودور إيجابي يقوم به نحو مجتمعه، فإن هو لم يفعل اتهم بالسلبية واستحق اللوم والتقريع. وقريب من هذا، ما يطرح أحيانا من أسئلة عن (دور) المثقف و(رسالته) و(واجبه) نحو المجتمع، فهذا السؤال يتضمن اعتقادا مسلما به، أنه متى وجد المثقف، فلا بد من وجود رسالة له ودور خاص به؛ لأن صفة المثقف لا تتحقق إلا بحمل تلك الخصائص. فمن أين جاء هذا الاعتقاد؟ ألا يمكن أن يوجد المثقف ولا توجد له (رسالة) أو (دور) في المجتمع؟ ما الذي يجعل المثقف مختلفا عن غيره في هذا الشان؟ إننا لا نستطيع الإجابة عن هذا السؤال ما لم نفرق أولا بين المثقف وغيره من أبناء مجتمعه؟ هل (المثقف) شخص آخر غير الطبيب والمعلم والمهندس والعالم والباحث والمفكر والسياسي والعسكري والاقتصادي والفنان وأمثالهم؟ إن كان المثقف غير هؤلاء، فمن هو؟ وما وجه الاختلاف بينه وبينهم؟ إن كل واحد من أولئك له رسالة يؤمن بها وعليه واجب يؤديه تجاه مجتمعه، فما اختلاف المثقف عنهم؟ أم أن المراد بالمثقف (صاحب القلم) وحده، كالروائي والقاص والشاعر والناقد وكاتب الرأي؟ إن كان هؤلاء هم المعنيون بصفة المثقف، فقد تكون السلبية المنسوبة إلى المثقف هي بسبب الخوف، فالخوف يلجم الألسنة ويحول بينها وبين صادق القول. وما يخيف المثقف كثير، فالمثقف يخاف على سمعته ومكانته في المجتمع، ويخاف أن يتهم بالمروق على الخطوط الحمراء للدين أو السياسة، ويخاف أن يحرم من منصب يرنو إليه، أو جائزة يحلم بنيلها. أو غير ذلك من مصادر الخوف الكثيرة، فلا يجد أفضل من أن يردد مع أبي نواس قوله الشهير (إنما السالم من ألجم فاه بلجام). [email protected]