كما فعلت غادة السمان ب «رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان»، طرحت رسائل الشاعر أنسي الحاج، الذي توفي في عام 2014. مستغلة غياب الأسطورة الشعرية لتضرم النار في ما تبقى من الطوطم. برهنت غادة السمان أنها جريئة أكثر من كتابتها السردية والشعرية، بل هي تبادر إلى تقليب أسرار درجها المرعب، إذ الرسائل والوثائق ولا تتردد قيد أنملة ولا يرف لها جفن وهي تضرم النار في غيرها معلنة على الملأ كلمات ومشاعر أنسي الحاج الخاصة المضرجة بالشوق والنجوى. رسائل خلقت ضجة إعلامية فكانت بحق مفاجأة الموسم الثقافي الحالي، بل يمكن القول إنها الحدث الأبرز هذا العام. لكن ما يخيف في رسائل غادة السمان أنها المرة الثانية التي تميط فيه اللثام عن رمز ثقافي على غرار الكاتب والمناضل غسان كنفاني الذي أربكت رسائله وحبه لغادة السمان الوسط الثقافي، فأسالت جراحا ومدادا كثيرا. طبعا كانت ردود الكتاب والكاتبات متباينة بين مؤيد ومعرض. وقد لامسنا هذا الأمر عندما قدمت «عكاظ» الثقافية في (السبت) الماضي عددا من التدخلات والتعليقات على رسائل الشاعر أنسي الحاج. هل من حق غادة السمان نشر رسائل الكتاب الذين راسلوها مهما كان نوع الشغف أو العلاقة؟ سؤال يطرح نفسه بحدة في عالمنا العربي المحافظ علما أن أدب الاعتراف والرسائل من الآداب الأكثر إثارة وإقبالا على القراءة هذا إذا نظرنا إليه بمنظر عالمي أما في بلداننا العربية فدور النشر عادة تتخوف من هذا الأدب ولا تقدم على نشره إلا في حالات معدودة ونادرة. في هذا العدد نستمع إلى تعليق الشاعرة المغربية ليلى بارع: «لم أستطع أن أستوعب كل تلك التعليقات السلبية على نشر المبدعة غادة السمان لرسائل الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج، خلال فترة من فترات حياته، والتي تبين جانبا لا يقبل به الكثيرون: الحياة الخاصة للإنسان قبل الشاعر. غادة السمان مبدعة عربية قدمت لنا بنشرها لرسائل الكاتب غسان الكنفاني وأنسي الحاج نظرة على أدب الرسائل في صيغته العربية.. ونادرا ما تجرأت المثقفات العربيات أو عائلاتهن، بعد رحيلهن، على نشر رسائلهن الغرامية عكس ما نجده الأدب الغربي من ثقافة وأدب الرسائل الذي يسلط الضوء على الحياة داخل المجتمعات في لحظة تاريخية معينة.. وطبيعة الحياة الفكرية والثقافية والجوانب الإنسانية للمبدع بعيدا عن صورته الجامدة.. من جهة أخرى لمست غير قليل من التهكم الذي ربما يخفي هشاشة المثقف العربي أمام صورته.. المثقف ليس رمزا وليس معصوما من الحب والعواطف.. وكأن تلك الردود تستنكر على المبدعة غادة السمان عواطف أنسي الحاج...».