مميزة على كل الكاتبات العربيات، وهي مقياس للتقييم حاد في دقته تفشل أمامه كل كاتبة. «السمّان»علَم للثقافة، رمز للحرية، أيقونة الاستقلال، لا ينكر هذا كل من قد شاهد نبضها، ولم يبق له إلّا الشهادة على توهجها، ونفورها من التقليدي بكل قيوده وكل أشكاله، وقوالبه الشخصية والاجتماعية. عاشت لنفسها أولًا وما استطعت أن تعيش للآخرين إلّا ثانيًا من خلال حروفها، فكتبها دار إيواء، ومدرسة شغب في فن الشغف، ودافع للتحدي والإصرار إزاء كل مدلهمة اجتماعية، وعقدة نفسية ونزوة عاطفية. والمتابع لحجم الحرية التي توشحت بها لا بد أن يراوده السؤال الذي يصلب علامة الاستفهام في آخره ويلحقها بعلامة التعجب هل فعلًا كانت «غادة السمّان» بحجم هذه الحرية فامتلأت سعة وأريحية لمخالفيها، هل منحتها هذه الحرية الجرأة في النضال؟! تبدو كذلك بأفقها المتسع حين تزوجت من «بشير الداعوق» وهو المختلف عنها، ورغم هذا بقيت معه ولازمته حتى وفاته، وفي هذا سعة أفق وإيمان باستقلالية الآخر التي لا ينبغي أن تمنعنا من بناء بيت وتكوين أسرة تجمعها عوامل عدة إضافة إلى إمكانية خلق جوانب مشتركة. وهذا نجاح ونقطة تحسب لها، لكن الحرية والاستقلالية عندها عبثت بمفاهيم احترام الآخر حين نشرت رسائل «غسان كنفاني» الغرامية بعد أكثر من عشرين عامًا على وفاته، ولم تراع حق الزوجة والأسرة التي قد يجرحها هذا الحب المقيد بأغلال «كان». و»كان» شهادة موثقة بالزمن الماضي، وكون صاحب «كان» أصبح رميماً لا يعفيها من المسؤولية أمام القراء! تقتضي الحرية أن تؤمن أن الناس غير مجبرة على قناعاتك فما تراه أنت حقاً مشاعاً يراه غيرك انتهاكاً صريحاً، وبنشر حروف هذا الحب يتضرر شعور أناس ليس لهم ذنب إلا توقيت مجيئهم في حياة «غسان كنفاني». أما الثورة السورية التي جاءت بما كانت تنادي به غادة من الحرية والمساواة وتداول السلطة لم تلمع فيها فهل هرمت غادة وضعفت وتيبّس صوتها وخف عنادها أم أن الأحلام المتحققة في نهاية المطاف تفقد بريقها، والحرية تُطلب بالسلاح لا بالقول الناعم؟! أعتقد أن «السمّان»في مشروع النضال لقيت حتفها منذ أمد بعيد لكن أحدًا لم ينتبه، وما عاشت به من ضوء كان الصدى لضوء عتيق كسبته في جولة الحياة. أكدت «غادة السمان» في آخر لقاء صحفي - وكان قبل شهر تقريبًا- ما شاع منذ زمن بأنها ترفض إجراء أي حوار تلفزيوني بعد أن تعهدت لنفسها بذلك في السبعينات عندما أجرت حوارًا تلفزيونيًا في القاهرة واكتشفت أن المذيعة المحاورة لم تقرأ أياً من أعمالها! ولا أدري من أيهما أعجب وأقرأ بيانًا من اللوم؟!. لكن الحقيقة أن السمّان تتمسك بأسباب صغيرة لتعتذر عن أخطاء كبيرة، وهذا نمط مدرسة الشغب، وسلوك روادها. عن غادة كُتبت 7 كتب باللغة العربية والإيطالية والفرنسية، لكن غادة متى تكتب عن غادة بعد سباقها في أورقة الحياة، فلا أحد يستطيع أن يكتب عن غادة بطريقة مختلفة إلّا غادة. الغريب أن موقع «غادة السمّان» كتب سيرة عنها عادية جدًا، ولو كانت المهمة لغادة لكتبتها بدهشة ولكنها لم تكتبها فهل انطفأ في الحرف نبضه وخبا ضوءه؟! لفت نظري في الموقع تعليق هذه الجملة: «رغم وجود الإشارة إلى الجنس في أدبها إلا أنه يُشهد لها أنه دوما في خدمة السياق الروائي والبعد الدرامي للشخصيات والاستخدام الرمزي للأحداث ولم تنزلق أبدا إلى تقديم أدب إباحي كذلك الذي صارت بعض الكاتبات يكتبنه لاحقا من أجل الشهرة والرواج» وهذا يدفعني للسؤال: هل غادة ما كانت تبحث عن الشهرة وهل خالفت الفطرة البشرية في محبة الأضواء، وهل طريقة بحثها عن الشهرة في أي موضوع كان سلكت فيه مسلكًا تُحمد عقباه؟! كل الإجابات الحاضرة والغائبة تبقى معلقة على مشجب محبّتي لغادة السمّان، فشكرا لها ما تعاقب على الحروف إحساس وما تمرد على الكتمان شعور.