حلب المدمرة التي أصبحت الآن من أكثر المدن السورية دمارا لا تستمد أهميتها من الأهمية الاستراتيجية للمعارك الدائرة حولها فحسب، ورغم ما دار فيها منذ بدء الثورة ضد نظام الطاغية بشار وما يدور فيها حتى الآن، إلا أنها مازالت تحمل أهمية رمزية كبيرة أيضا. كانت حلب أكبر المراكز الاقتصادية في البلاد قبل أن يتم تدميرها بفعل الحرب الحالية وهي التي كانت المدينة السياحية الأولى في البلاد، والموقع المفضل للعديد من الباحثين عن العلم والتاريخ لفترة طويلة من الزمن. كما أنها تعد واحدة من أقدم المدن في العالم، وقد تمت الإشارة إليها في كثير من النصوص القديمة منذ أكثر من 20 قرنا قبل الميلاد. ازدهرت حلب سياسياً واقتصادياً خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد، حيث أصحبت حينها حلب موقعاً تجارياً هاماً بين دول البحر الأبيض المتوسط وبين الشرق، وخضعت للحكم الإسلامي في منتصف القرن السابع الميلادي، قبل أن تسقط في يد الإمبراطورية البيزنطية خلال القرن العاشر ثم يستعيدها الأيوبيون خلال القرن الثاني عشر. وخلال كل هذا التاريخ فقد عانت حلب من عدة كوارث؛ منها تفشي الطاعون والكثير من الغزوات المدمرة، قبل أن تخضع لسيطرة الإمبراطورية العثمانية، وتقلصت أهمية المدينة حين تم اقتطاعها عن جنوبتركيا وشمال العراق أثناء تقسيم الدول العربية الحديثة خلال القرن الثامن عشر، وبعد استقلال سورية تحولت تلك المدينة التاريخية إلى مركز صناعي قوي لا يستهان به. أما سكان حلب فهم عرب من المسلمين السنة مع أقلية سنية كردية وتركمانية، كما حوت المدينة أكبر جالية مسيحية في سورية، إضافة إلى أقليات شيعية وعلوية. وبعيدا عن هذه الأهمية التاريخية والجغرافية، فإن المدينة الآن تقع في قلب الصراع الدموي الدائر في سورية، حيث تمثل المعركة حول حلب أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى الأطراف المتنازعة. ومن هذا المنبر نناشد المتبقي من عقلاء هذا العالم، كما نناشد الحكومات التي تستطيع والمنظمات الإنسانية بأن يقوموا بدورهم الإنساني الحقيقي والبعيد كل البعد عن السياسات البغيضة التي دمرت الشعوب والأوطان ودمرت الأخضر واليابس في هذه الحياة! نناشدكم بأن تلقوا نظرة رحمة وشفقة على الأطفال والنساء والشيوخ كبار السن في حلب التاريخ والمجد والحضارة وعلى كل الأبرياء، وهذا أهم من أية سياسات ونزاعات دنيوية. أخيرا: رسالة إلى كل الضمائر الحية في العالم.. وجهوا ضمائركم قليلاً على قلب «حلب» المجروح.