ظهرت أمس تفاصيل حجم الدمار الهائل الذي أصاب الجامع الأموي الكبير في حلب في شمال سورية، إذ دمر المدخل الجنوبي للآثر التاريخي، بالإضافة إلى ممر في المدخل الشمالي الذي احترق وخرب. وقال شهود إنه تمت سرقة مقتنيات أثرية وتاريخية ودينية لا تقدر بثمن، من ضمنها جزء من الضرس النبوي الشريف. وشكل الرئيس السوري بشار الأسد لجنة لصيانة وترميم الجامع الأموي الكبير بعد الأضرار البالغة التي تعرض لها خلال المعارك بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة الأيام الماضية. ويعود تاريخ الجامع الأموي إلى القرن الثامن، وهو على قائمة منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» للتراث العالمي. وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أمس أن الأسد اصدر قراراً جمهورياً قضى ب «تشكيل لجنة إنجاز صيانة وترميم الجامع الأموي الكبير في حلب برئاسة محافظ حلب محمد وحيد عقاد». وأشارت إلى أن المهلة الزمنية لإنجاز أعمال الصيانة والترميم حددت حتى نهاية العام المقبل. وأتاح القرار الجمهوري للجنة المكونة من سبعة أعضاء إضافة لرئيس اللجنة أن «تستعين بمن تراه مناسباً من الخبرات المحلية لإنجاز مهماتها». ووصف مراسل فرانس برس الذي رافق القوات النظامية خلال استعادتها الجامع، الدمار الذي أصابه، مشيراً إلى أن «الممر في القسم الشمالي للجامع مدمر وسقفه محترق»، كما احترقت «محتويات الممر من كتب ومقاعد والثريات التي هوت بعد احتراقها على الأرض». كذلك تم تدمير المدخل الجنوبي للجامع الأموي المطل على أسواق مدينة حلب القديمة. وذكر مراسل فرانس برس أن غرفة رفع الأذان في الجامع مدمرة، مشيراً إلى احتراق سجاد وتناثر الزجاج والرصاص الفارغ على الأرض. وبث التلفزيون الرسمي السوري صوراً من داخل الجامع تظهر نسخاً من القرآن محترقة أو ممزقة. وأشار مراسل فرانس برس إلى سرقة ثلاث شعرات وجزء من الضرس النبوي الشريف كانت محفوظة في صندوق موضوع في مقام صغير داخل الجامع. وشوهد الصندوق محطماً. ويعد الجامع الأموي الكبير في حلب الذي يعود بناؤه إلى القرن الثامن، من اهم معالم المدينة الدينية والأثرية، إلى جانب قلعة حلب وأسواق المدينة القديمة المسجلة على لائحة التراث العالمي. ويشكل الجامع نقطة تماس بين الجانبين المتقاتلين في مدينة حلب. واستعاد الجيش السوري أول من أمس السيطرة على الجامع الأموي الذي استولى معارضون مسلحون عليه جزئياً قبل أيام. وما زال الطرفان يتبادلان الاتهامات حول المسؤولية عن الدمار الواسع والحريق الذي لحق بالجامع التاريخي، ففيما قال ناشطون ومعارضون إن القوات الحكومية تتحمل المسؤولية عما لحق به من أضرار لأنها اختارت التمركز في منطقة الجامع بسبب موقعه الاستراتيجي وسط حلب، تقول السلطات السورية إن مقاتلي المعارضة هم المسؤولون عن الحريق والدمار الذي لحق بالجامع الأموي، وإن قوات النظام تدخلت لطردهم من المكان بعدما تعرض للتخريب. والجامع الأموي احدث ضحية للقتال الشرس للسيطرة على حلب القلب الاقتصادي لسورية. وكان السوق التاريخي لحلب قد تعرض يوم 29 أيلول (سبتمبر) إلى حريق هائل خلال القتال بين قوات النظام والمعارضة ما أدى إلى تدمير ما لا يقل عن 500 محل تجاري في الممرات الضيقة المسقوفة، إضافة إلى خسائر مادية تقدر بملايين الدولارات. وخلال المواجهات العنيفة في حلب، باتت المواقع التاريخية في سورية في قلب الخطر لأن قوات المعارضة والنظام اتخذوا منها قواعد للجنود والعناصر المسلحة، بما في ذلك القلاع التاريخية والحمامات التركية القديمة. وكانت صحيفة «الوطن» السورية أفادت أمس بأن «الجهات المختصة طهرت حرم الجامع الأموي الكبير من المجموعات المسلحة الذين دمروا مدخله الجنوبي المطل على أسواق المدينة القديمة». وأشارت «سانا» إلى أن «اتحاد علماء بلاد الشام» في سورية «نوه» بقرار الأسد تشكيل لجنة خاصة تتولى مهمات إعادة تأهيل وترميم الجامع الأموي الكبير «خلال مدة زمنية وجيزة». وزادت أن اتحاد العلماء «يدين ويجرم باسم العالم العربي والإس لامي الهجمة الكافرة المارقة على الجامع الأموي الكبير في مدينة حلب التي أقدمت عليها (تنظيم) القاعدة» الذي «يتقنع كاذباً بقناع الإسلام». يأتي الدمار في حلب، فيما يتعرض متحف يضم «اكبر مجموعة من الموزاييك في الشرق الأوسط» وسط معرة النعمان في ادلب شمال غربي سورية لخطر الدمار والنهب بسبب المعارك الضارية في المدينة. وتقبع سيارة مفتوحة الغطاء محترقة وقد مزقها الرصاص على الطريق أمام البوابة الخشبية للمبنى التي تغطيها زخارف حديدية تعود إلى القرن السابع عشر، كما ذابت كومة من الإطارات القديمة بعد أن اكتمل احتراقها وسط دخان اسود كثيف. ويتولى فتى حراسة المبنى، حاملاً بندقية كلاشنيكوف. وكتبت عبارة «سننتصر» على احد جدران المبنى الذي استولت عليه منذ أسابيع كتيبة «شهداء معرة النعمان» المقاتلة ضد النظام وجعلت منه مقراً لها في المدينة. وتحت القبة في بهو المبنى ألصقت على الأرض لوحة فسيفسائية للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. وفي المكان، عدد من المقاتلين المعارضين ينتهون من تناول فطورهم مستندين إلى لوحة فسيفسائية رومانية رائعة يبدو فيها ذئب وهو يطارد فريسته. ويحيط الهيكل بالساحة المرصوفة الضخمة وعليه تيجان الأعمدة الأثرية وتتناثر فيه المكان أغراض الجنود من قوارير بلاستيكية وفرش قذرة وجوارب نشرها الجنود لتجف بالشمس. وشيد المتحف العام 1665 أبان حكم السلطان مراد الجلبي ليكون استراحة للمسافرين، وقد تبدلت وجهته إلى مقار متعددة، فتحول حيناً إلى ملحق للمسجد الكبير، وسوق، ثم مخزن بسيط قبل أن يصبح متحفاً وطنياً. ولم ينل البناء منذ تشييده سوء، ويبدو المبنى كقلعة جدرانها سميكة وحولها باحة مربعة واسعة في نصفها جامع. وتعرض موجودات المتحف في قاعات تعلوها قبب. وتم جمع عدد كبير من لوحات الموزاييك المكشوفة والمحفوظة منذ قرون والتي تم استحضارها من مملكة أفاميا وأنطاكية القديمة أو من المدن المندثرة. وتصور هذه اللوحات أنواعاً من الحيوانات ومشاهد الصيد والمآدب، وهي من روائع هذا الفن الذي ولد في أور (العراق حالياً) ثم انتقل إلى اليونان القديمة ثم إلى الامبراطورية الرومانية وبلغ ذروة شهرته أبان الامبراطورية البيزنطية. كما يعرض المتحف عدداً من الخزفيات والفخاريات والدمى التي تعود إلى ما قبل العصر الإسلامي وبينها ما يعود تاريخه إلى ألفين أو ثلاثة آلاف عام ق.م.، بحسب اللوحات التوضيحية المعلقة في المتحف. وكان متحف المعرة في عهدة الجيش حتى منتصف آب (أغسطس). ويبرر المقاتلون المعارضون مكوثهم في المتحف برغبتهم في حمايته من «السرقة والنهب والتهريب»، كما يؤكد احد قادتهم أبو هاشم. ويقول مقاتلون إن بعض القطع المعروضة سرقها عناصر في الجيش النظامي، مشيرين إلى أن مدير المتحف اجرى جردة للقطع المسروقة. وأشاروا إلى فقدان مجموعة من القطع النقدية التي تعود إلى بداية العصر الإسلامي من إحدى واجهات العرض. لكن البناء وموجوداته التي لا تقدر بثمن ما زالت محفوظة بشكل عام. وسقطت قنبلة في بداية تشرين الأول (أكتوبر) أطلقتها إحدى مقاتلات الميغ على بعد أمتار من المتحف، ما تسبب بتهدم عدد من الابنية السكنية وقطع عشرات أشجار النخيل في حديقة عامة مجاورة. وتناثرت قطع زجاج النوافذ وأعالي الأبواب الخشبية في المتحف نتيجة قوة الانفجار، كما هوت المحتويات التي لا تقدر بثمن المعروضة على بعض الرفوف. وتحطمت تماثيل عدة لآلهات رومانية في ارض واجهات العرض، وتحولت قطع خزفية تعود إلى نحو ألفي عام إلى قطع متناثرة. كما تحطم عدد من اللوحات الحجرية المنحوتة في المخزن. وتضررت لوحة أو لوحتان من الفسيفساء، فيما لم تصب المخطوطات المحفوظة في المكتبة بسوء. ولحسن الحظ، فإن لوحات المقابر في الباحة ومجموعة الأبواب المتراصة المصنوعة من حجر البازلت الأسود والتي تعود إلى القرن الثامن للميلاد لم تتحرك من مكانها.