بعد كلام تردد منذ سنوات على منزل قديم في مدينة حلب السورية بوصفه كان مسكناً للشاعر أبو الطيب المتنبي، توصل باحثون في التاريخ إلى تحديد المنزل الذي كان يقيم فيه الشاعر بعد أكثر من 1100 عام على رحيله. ويقع المنزل في حي «سويقة علي» وراء «خان الوزير» في قلب المدينة القديمة وتعرض للهدم والدمار لأكثر من مرة نتيجة الزلازل والحروب التي شهدتها المدينة. ويؤكد الباحثون أن المتنبي سكن هذا المنزل في القرن العاشر الميلادي لعشر سنوات تعتبر من أخصب سني عمره شعراً وكتب فيها أهم ما حفظته الكتب والرواة من قصائده. كان منزله يضم غرفاً للخدم وإسطبلات للخيول وقريباً من قصر الأمير سيف الدولة الحمداني الذي نظم فيه المتنبي قصائد الحب والوفاء قبل أن يفترقا ويغادر المتنبي حلب قاصداً مصر. واستدل الباحثون على منزل المتنبي بعد العثور على كتابين كانا مفقودين في الهند لمؤرخ حلب في العصر الأيوبي كمال الدين بن العديم هما: «بغية الطلب في تاريخ حلب» و «زبدة الحلب من تاريخ حلب». ويشير فيهما ابن العديم إلى «أن المتنبي عندما أقام في حلب عام 337 للهجرة منحه سيف الدولة بيتاً بجوار بيوتنا في منطقة أدوار بني كسرى» وهذه المنطقة معروفة الآن بمنطقة خان الوزير. ويعود اكتشاف المنزل إلى الباحث في التاريخ محمد قجة بعدما توصل عبر الدراسات التاريخية إلى تحديد مكان بيوت آل العديم وآل كسرى في مدينة حلب القديمة المجاورة لقلعتها المعروفة. ويقول قجة ل «الحياة»: «تعرض المنزل للهدم أثناء الغزو البيزنطي لمدينة حلب وأعيد بناؤه وتحويله إلى خانقاه، أي مضافة مجانية للفقراء والغرباء في الفترة الزنكية والأيوبية، وهدم مرة أخرى على يد هولاكو أثناء الزحف المغولي عام 1260 للميلاد قبل أن يحوله احد الأمراء المماليك في بداية العصر المملوكي إلى منزل خاص ومن ثم يوقفه ليكون مدرسة عرفت بالمدرسة الصلاحية». ويضيف: «بعد تدمير حلب على يد هولاكو في العام 1400 ميلادي، أعيد بناء المدرسة الصلاحية في نهاية العهد المملوكي، لكن صُغّر حجمها على يد نائب السلطنة خير بيك الذي اقتطع جزءاً منها أثناء بنائه خاناً لا يزال يحمل اسمه. بعدها استخدمت المدرسة في العهد العثماني لتدريس العلوم الدينية». وبيّن قجّة أن المدرسة الصلاحية التي أقيمت على أنقاض منزل المتنبي دمرت مرة أخرى عندما تعرضت مدينة حلب لزلزال في العام 1822، لكن بهاء الدين القدسي أعاد ترميمها لتعود من جديد وتحمل اسم المدرسة الصلاحية والمدرسة البهائية التي استخدمت حديثاً لتكون مكاناً للقاء الأسري. ولفت القجة إلى «أن المتنبي تلقى من سيف الدولة بعد المصالحة التي تمت بينهما في العام 341 ه هدايا عبارة عن عدد من الخيول والجواري والخدم، وهذا يدل على سعة داره التي سكنها أيضاً معه مدير أعماله أبو سعد الذي حفظ الكثير من ذكرياته وابنه المحسب». وأكد «أن السوق المحوري في مدينة حلب القديمة حالياً الذي يزيد عمره على ألفي عام، كان الطريق اليومي للمتنبي من منزله إلى قصر «الحلبة» حيث سيف الدولة». وتعمل وزارة الثقافة السورية الآن على إخلاء المنزل تمهيداً لترميمه وتحويله إلى متحف يضم مختلف ما كتب عن المتنبي وأيضاً قاعدة بيانات عن حياته وأشعاره وأخرى للمحاضرات وغرفة صغيرة لتوثيق الفترة الحمدانية في حلب. ويرى أستاذ اللغات ومناهج البحث في جامعة حلب الدكتور صلاح كزارة «أن المتنبي اختار هذا المنزل ليكون بالقرب من الأمير سيف الدولة الحمداني، بحيث إذا استدعاه إلى قصره لا يستغرق الوقت منه بضع دقائق». ويقول: «هناك كثيرون يعتقدون بأنهم إذا جاءوا إلى هذا المكان سيجدون المتنبي يخرج إليهم بفرسه، وإنما الأهم هو تحديد الموقع الذي كان يقوم عليه منزله». ويرى المشرفون على المشروع أن إعادة الحياة إلى منزل مالئ الدنيا وشاغل الناس في عصره وتحويله إلى متحف ربما تكون خطوة على طريق إعادة الاعتبار الى المتنبي بعد أكثر من ألف عام على رحيله. وتوقعوا أن يكون المتحف في المستقبل قبلة لكل عشاق هذا الشاعر.