يكاد يكون اسم «حالة عمار» محفورا في ذاكرة أبناء الوطن، خصوصا الشماليين، وهناك على حافة بعيدة في آخر نقطة في الشمال الغربي تقع هذه البلدة الحدودية المتاخمة للأردن، أقدم منفذ ومركز حدودي سعودي في الشمال مع الأردن، يستقبل حجاج البر من دول الشام وتركيا وروسيا وداغستان وغيرها. «عكاظ» تجولت في مركز «حالة عمار» الحدودي مع الأردن، الذي يطل على «منفذ المدورة» الأردني المحاذي. على المنفذ في آخر نقطة في شمال غرب المملكة تبدو أمامنا عدد من الحافلات والسيارات تقف في صف منتظم في منفذ «حالة عمار»، إذ يتفحص رجال الجوازات وجوه المسافرين من جنسيات مختلفة، ويتفحص رجال الجمارك حقائب القادمين إلى المملكة بعين ترصد الممنوعات والمخدرات. ورغم الزحام الذي يشهده المنفذ إلا أن الإجراءات تتم بكل انسيابية. وفي حالة عمار وجود كبير لفرق حرس الحدود الشجعان، وجود يدعو للبهجة والفخر، تجهيزات عسكرية، ومعدات، ونقليات، وأجهزة مراقبة، وأسلحة، وكوادر بشرية مدربة وجاهزة لمواجهة أي طارئ أو معتد أو متسلل أو مهرب مخدرات. حالة عمار هي جزء من شريط حدودي بري بحري طويل يربط المملكة بالدول المجاورة بطول مسافة 1268 كيلومترا، من نقطة الثميد بقطاع حالة عمار حتى نقطة رحاء الجنوبية بقطاع أملج، منها 299 كيلومترا منطقة برية من الثميد حتى الدرة بقطاع حقل، وهذا يستوجب عملا كبيرا ودقيقا على مدار الساعة. وقال مصدر مختص بحرس الحدود بمنطقة تبوك ل«عكاظ»: «حدودنا بفضل الله آمنة، وهي في أعين رجال حرس الحدود الذين يفدون الوطن وحدوده بأرواحهم». وعن التعامل مع المتسللين، أوضح «لدينا أنظمة وتعليمات بوقف أي متسلل بطريقة غير نظامية ويتم التعامل معه وفق حالته، وإذا تطلب الموقف ما يستدعي مواجهة المتسللين والمهربين بإطلاق النار فسيتم ذلك وفق الأوامر والتعليمات المطبقة، ووفق ما يراه القائد الميداني في الموقع لحظة حدوث أي طارئ». وأضاف: «تم تجهيز قطاع حالة عمار وحقل بعدد من الكاميرات الحرارية الثابتة والمتحركة التي أثبتت جدارتها في مراقبة الحدود، ويتم استخدامها في الأماكن المهمة حسب ما يتوفر من معلومات، إلى جانب ثلاثة خطوط دوريات تعمل على مدار الساعة، وأبراج المراقبة المجهزة». وأكد أن حرس الحدود يحرص دائما على الاستفادة من أية معلومات تقدم من أي شخص، ويتم تحليلها وتمريرها للعاملين في الميدان، موضحا أنه يتم القبض بين فترة وأخرى على عدد من المتسللين والمهربين يعتزمون القيام بأية أعمال مرفوضة. أما جمرك حالة عمار فإنه مزود بأجهزة كشف بالأشعة للسيارات القادمة، واستخدام الكلاب البوليسية للكشف عن المخدرات، وبين فترة وأخرى يتم الإعلان عن ضبط كميات مخبأة مع بعض القادمين من مختلف الجنسيات وتحال المضبوطات والمضبوطين لإدارة المخدرات. وأشاد المصدر بكفاءة رجال الجمارك الذين يواجهون مهربين محترفين ينتهجون أساليب غريبة وصعبة، ورغم هذا يتم اكتشافهم لحماية بلادنا من انتشار سموم المخدرات. والسؤال: هل للتماس المباشر بين حالة عمار والأردن تأثير ثقافي على البلدة الحدودية، فحين ننظر إليها نجد أن عددا من الأسماء برزت وسطع نجمها في حالة عمار، منهم: الشيخ محمد بن بليهد والمؤرخ المحب لتبوك وحالة عمار أبو خالد بختاور، إضافة إلى عدد من الشعراء، مثل: شاعر قصائد الحداثة والتفعيلة والنثر منصور عوض الجهني صاحب ديوان (قبل أن)، ورئيس نادي تبوك الأدبي الشاعر الدكتور نايف الجهني، والشاعر معوض العطوي، والشاعر فالح مشهور، والشاعر سطام مشهور، والكاتب وعبدالملك الحربي، والإعلامي محمد مشهور الأيداء، والباحث التاريخي عبدالعزيز الحصيني الذي يؤكد أن حالة عمار بلدة حظيت باهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين، ويتصل أهلها بالثقافة والإبداع وهو متعارف عليه في منطقة تبوك وهي اليوم تعيش عصرها الزاهي في هذا العهد الزاهر. «حالة عمار».. قصة تختبئ خلف المسمى الغريب «حالة عمار»، مسمى يترك دلالاته المتعددة ويوحي بوجود حكاية وقصة تختبئ خلف الاسم الغريب.. فيا ترى من يكون عمار؟.. قصص وحكايات كثيرة حول الاسم «عمار» لكن الحقيقة ومن منطلق بحثي معرفي ليست واضحة. ومهما اختلفت القصص أو الأساطير التي نسجت حول اسم حالة عمار يظل الاسم له حالته الخاصة لا تشبه أسماء المدن أو مراكز الحدود الأخرى، وتحفظ ذاكرة الناس في تبوك أن عمار كان رجلا شهما يسكن في هذا المنفذ الحدودي ويتمتع بعلاقات حسنة ويحظى بحب الناس وبثقة العابرين على تلك الحافة البعيدة، لكن عمارا مرض مرضا عضالا فمرت الشهور وهو على حالته فكان بين المملكة والأردن يسألون عن عمار الإنسان الشمالي النقي، وعن حالته الصحية وكيف صارت؟، وطال السؤال كثيرا حتى رحل عمار ومات وحب الناس ما زال يسكن في قلوب في ذلك الوقت. بينما تقول الرواية الأخرى: إن عمارا كان رجلا صالحا يأتي إلى الحج مشيا على الأقدام، ويقيم عند القبائل عندما ينفد زاده وطعامه وشرابه، وفي إحدى المرات داهمه مرض كبر السن فأقام لدى إحدى القبائل في منطقة تبوك، وحين أصبحت الأرض جدباء بعد انقطاع المطر بحثت القبيلة عن الماء والكلأ والعشب وعن وجه آخر للحياة، فطلبوا من الحاج عمار الرحيل معهم فرفض وفضل البقاء، فقاموا له بيتا من الشعر وتركوا له الطعام والشراب، وكان الناس يسألون عن الحاج عمار دائما وكان السؤال هو «كيف حال عمار؟» ويأتي الرد «حالة عمار حالة»، بسبب كبر سنه والمرض الذي أصابه حتى توفي في نفس المنطقة والمكان، ودفن فيها لذلك سميت المنطقة على اسمه حالة عمار. فكانت «حالة عمار» المكان من جهة والحالة من جهة أخرى. رحل «عمار» وبقيت حالة عمار تحتفي بالعابرين والحجاج والمعتمرين، وخطا أماميا شامخا تواجه المتسللين. الحلقة القادمة «الرس» .. رحلة البحث عن بنية تحتية