أنا والكرة وحارس المرمى، وصرخات 70 ألف متفرج يتوسلون أن أصوب بسرعة نحو المرمى الخالي، وملايين المشاهدين خلف الشاشات ينتظرون تتويج الفريق بأول بطولة في تاريخه الطويل العامر بالإخفاقات. وعلى الرغم من ذلك كله إلا أن الكون بدا لحظتها ساكناً إلا من دقات قلبي التي تسارعت بإيقاع مرعب فائق الوضوح. أنا والكرة ووجه عمي مصطفى يخترق المشهد ساخراً من غبائي وأنا أجري سريعاً في محاولة للإفلات من ظلي، لكنني استطعت فعل ذلك بالاختباء خلف شجرةٍ أكبر بكثير من عمي الذي خالطت ضحكته سعاله ذا اللحن المميز. كنت حينها في الرابعة من عمري، وكنت دائماً أسبق زملائي في مسابقات العدو. قفزت بذكرياتي سريعاً إلى المستقبل. ورأيت عماد ابن خالتي صفية الذي يستحضره عقلي كلما أبصرت تقاسيم وجه ثقيل الدم كحارس المرمى المتحفز، كان حينها يضحك مقهوراً «ما قلت لكم انه عمره ما حيفلح». لكن وجه أمي دخل سريعاً إلى المشهد، وهي تكاد تطير من الفرح بإنجازي بعدما لطمت الكرة وجه الشباك. اللقطة الأخيرة غمرتني بالفرح، زملائي يحملونني على الأعناق، وأنا أتصنع التواضع كعادتي في المقابلات التلفزيونية «لم أفعل شيئاً فالفضل يعود لزملائي والمدرب ومدير النادي». وفي لحظة واحدة، جمعت من الماضي والمستقبل كل ما أملك من قوة وغضب، وركلت الكرة التي لم أعلم أين ذهبت، فقد أغمي علي بعدها مباشرةً. وها أنذا على سريري في غرفة العناية المركزة، والأسلاك تربطني لتنقل دقات قلبي إلى تلك الشاشة اللعينة منتظراً زملائي في الفريق أن يخبروني إن كنت قد أحرزت هدف الدقيقة الأخيرة في المباراة، أم أن الكرة قد ذهبت إلى مكانٍ آخر. * كاتب يمني