فوجئت الساحتان الثقافية والأكاديمية أمس الأول «السبت» برحيل المعلم الأديب والمثقف الدكتور أحمد خالد البدلي عن عمر يناهز 83 عاماً قضاها في طلب العلم ونقله، وعاش بمكة المكرمة إلى أن أنهى دراسته من المعهد العلمي، ومن ثم انطلق متجهاً إلى جامعة القاهرة ليحصل على شهادتها بتخصص اللغة العربية، والتي أهلته ليكون معيداً بجامعة الملك سعود بمدينة الرياض. توجه البدلي إلى لندن للحصول على درجة الدكتوراه في اللغة الفارسية وآدابها في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ولكنه لم يطل البقاء عند الإنجليز، إذ رأى أن أفضل السبل للحصول على اللغة الفارسية طلبها من أهلها ومختصيها، فعقد الرحال إلى طهران ليكمل المهمة متزوداً بعزمه وإصراره، وعاد إلى المملكة بعدما نال درجة الدكتوراه في الأدب والحضارة الفارسية من جامعة طهران ليعين مدرسا للغة الفارسية وآدابها بجامعة الملك سعود. بعد عودته إلى النطاق الأكاديمي، شغل البدلي منصب أول رئيس لقسم الإعلام بجامعة الملك سعود، ومن ثم عين رئيساً لقسم اللغة العربية، ووكيلاً لكلية الآداب بعد ذلك، وكان له العديد من الأعمال الأدبية كترجمته لعدد من الكتب الإيرانية ك«إيران في العهد التجاري، والبومة العمياء، ورحلة ناصر خسرو»، وكتابه «دراسة بعض الترجمات العربية لرباعيات الخيام»، وعمل محررا للصفحة الأدبية بصحيفة الجزيرة بجانب عمله الأكاديمي آنذاك. ولطالما افتخر بأصوله التي تعود إلى بوركينافاسو وبأجداده الذين فروا بدينهم والتجأوا إلى بيت الله هرباً من الطغيان الصليبي الأوروبي، فظلوا بمكة المكرمة التي آوتهم وأصبحت لهم مستقرا آمناً، ولم يكن صاحب البشرة السمراء والقلب الأبيض منغلقاً على ذاته، بل كان صاحب روحٍ مرحة تأبى أن تحتجزها العنصرية داخل أسوارها وصاحب حكمة وذكاء وتواضع، وصفه الدكتور فهد العرابي أثناء تكريمه في «اثنينية خوجة» بالساخر من نفسه والتاريخ والسياسة والأرض ومن عليها، ولكن «قليلاً ما نهتدي إلى حكمة البدلي أو العقل الكامن أو المستكين في سخرياته، وهو متعال إلى درجة أنه لا يأبه بأحد عندما يريد أن يفرغ ما في صدره».