ديوان «خرز الوقت» للشاعر علي الدميني نشيد رعوي لزمننا وتحولاته اللانهائية، يتعالى من أعماق القصيدة صوتا شعريا خبرنا صفاءه الشعري ونقاءه الفكري منذ «رياح المواقع» الصادر عام 1987 إلى النشيد الجديد الصادر في 2016 عن النادي الأدبي للمنطقة الشرقية وباشتراك مع دار الانتشار اللبنانية. هذه الفصوص التي تخيط الزمن وترتقه بتجاربه العميقة شعرا بديعا، وقصائد نسجها الشاعر بخيوط من الكلمات الأثيرة لديه وكأنها لآلئ منظومة في معجم مائي يراهن على- الحركة /الزمن والعمق- /الصورة ودلالتها من خلال الانعكاس الذاتي والاجتماعي والثقافي. /ابتكار استعارات جديدة. ومن بين هذه الاستعارات يحضر الماء في شعر علي الدميني كما تحضر الحياة في اليباب. تتحول الأشياء والكائنات إلى وسائط خصبة لنسج صفات الإنسان والماء وعلاقتهما الأبدية المتجلية في دلالات الخصب والانبعاث أو الجذب والموت. وحينما يتأمل الشاعر الوقت/الزمن بجدليته المفتوحة على الديمومة، فإنه يمنحه عمقا. يرى الشاعر صراع الإنسان مع الزمن متجليا في أحزانه وفقدانه وخساراته وعلله، ومن هنا يحضر أيضا صراع آخر بين الذاكرة والنسيان. وفي هذا المسعى تتداعى المعاني وتبتكر اللغة ويرى الشاعر مرة أخرى أن للمعنى معاني عدة، وما بين ما يملكه ليس غير احتمالاته المتعددة، التي يجترحها من وجود الإنسان المفرط في أوهامه. وعندما يستفرد الشاعر بمنحوتاته الصغيرة، فإنه يحكم أداة ال «لو» التي يمتنع جوابها بامتناع شرطها في مصير هذه المنحوتات مستفيدا من دلالتها المتأرجحة بين اليقين واللايقين، بين الطمأنينة واللاطمأنينة وبين الوجود والعدم.. وكأن الشاعر يهدم قناعاته الواحدة تلو الأخرى و بعد تعب الذهن والحواس والجسد التي يمثلها الشاعر برمزيته الأنطولوجية، يتردد صوته من الأعماق الكشف والانكشاف. تنساب قصيدة علي الدميني بموسيقى شعرية فريدة تمجد الحب والطبيعة مفسحة المجال للغة تجاوز بين المجاز والحقيقة. يقول الشاعر في قصيدته البديعة». ديوان «خرز الوقت» للشاعر الكبير علي الدميني يبهج الروح بسموه الشعري ومداركه الحسية والمعرفية ويفتح شهية القارئ لالتقاط هذا الخرز الزمني الثمين بإبدالاته اللامتناهية وأصالته النادرة.