دعا مهندس معماري رجال الأعمال للاستثمار في مباني التراث العمراني، التي "تعد مورداً اقتصادياً مهماً ومصدراً لفرص العمل، ,والتنمية الاقتصادية في المناطق. واستعرض المهندس محسن القرني المدير التنفيذي لمركز التراث العمراني بالهيئة العامة للسياحة والآثار أمس الأربعاء في جلسة "مجالات توظيف المباني الأثرية والمواقع الأثرية لبيئة سياحية واستثمارية"، والتي عقدت ضمن فعاليات ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي 2012 بالرياض، استعرض عددا من التجارب العالمية المتميزة في تفعيل التراث العمراني، وقال: "تعتبر بلدة سان جمنيانو في إيطاليا، أنموذجاً متميزاً فعدد سكانها يبلغ 7000 نسمة، ويزورها سنويا (3) ملايين سائح من جميع أنحاء العالم ينفقون ما يقارب 300 مليون يورو (مليار وأربعمائة ألف ريال)". وقال القرني بأن هناك مدن عربية استفادت من تراثها العمراني ووظفته فيما يعود بالفائدة على الملاك والمستثمرين، ومن أمثلة ذلك مدينة فاس التي تعد إحدى أهم مواقع السياحة الثقافية في المغرب، وقرية طيبة زمان بالأردن "وهي اليوم مورداً اقتصادياً مهماً للملاك والمجتمع المحلي والمستثمرين ومفخرة للأردن". وأكد القرني توفر فرص كثيرة للمستثمرين في مجال التراث العمراني يمكن الاستفادة منها بشكل يسهم في التنمية ويعود عليهم بالفائدة، "تتركز الفرص في مشاريع التراث العمراني الحكومية والخاصة، ومن ذلك: مشاريع القرى التراثية، و مراكز المدن التاريخية، و الأسواق الشعبية، والنزل التراثية، والاستراحات". وقال بأن الهيئة العامة للسياحة والآثار تبنت مع شركائها برنامجاً طموحاً لتأهيل القرى التراثية، موضحاً أن المرحلة الأولى تتضمن تأهيل 7 قرى تراثية في كل من: الغاط، العلا، رجال ألمع، جبة، ذي عين، الخبراء، المذنب. وأشار المهندس القرني إلى مشروع تطوير مراكز المدن التاريخية والذي تساهم فيه الهيئة وتقوم على تنفيذه أمانات المدن والبلديات، وقال بأن المشروع يضم حالياً، 8 مواقع هي: الرياض، الهفوف، الطائف، المجمعة، ضبا، أملج، الوجه، ينبع. وتحدث القرني عن مشرع تطوير الأسواق الشعبية في كل من الرياض، الهفوف، الطائف، المجمعة، ضبا، أملج، الوجه، ينبع. ورشح القرني بعض المواقع التراثية القابلة للتطوير والاستثمار السياحي، ومن ذلك مبنى القشلة التاريخي بمدينة حائل "يقع المبنى بوسط مدينة حائل بالقرب من الأسواق التجارية، ويشغل مساحة 19.832 متر مربع، ويضم 140 غرفة، أي أن الموقع يصلح كفندق تراثي". واستعرضت فائقة البجاوي المهندسة المعمارية بجمعية صيانة مدينة تونس، والمحاضرة بكلية الهندسة المعمارية في تونس، استعرضت التجربة التونسية في الحفاظ على هوية تونس العتيقة، مؤكدةً على أن المدينة العتيقة " لا تمثل شاهداً عن الماضي فقط، بل جزءاً لا يتجزأ من العاصمة، جمع أغلب المعالم التي فيها، و مستقبله شديد الارتباط بمستقبلها". وذكرت البجاوي أن مدينة تونس سجلت على قائمة التراث العالمي في اليونسكو عام 1979 "اختيرت كشاهد حي على العمران العربي الإسلامي، احتفظت الأحياء السكنية بالمدينة العتيقة على طابعها العمراني الذي لم يتغير منذ أواخر القرن الثامن عشر، و نظرا للتأثيرات الهامة على تنمية العمارة و فن الزخرف في الجهة الشرقية للمغرب العربي، و كذلك لكونها ما زالت تزخر إلى اليوم بالكثير من المعالم الإسلامية". وأضافت بأن مسار صيانة و إحياء المدينة بدأ منذ سنة 1967 مع بمبادرة جمعية صيانة المدينة، بمساندة بلدية تونس، و بفضل مساهمة و دعم منظمة اليونسكو. " قامت الجمعية منذ نشأتها بعديد كثير من الدراسات و البحوث حول المعالم الأثرية و النسيج العمراني في مجمله وشملت : دراسات هندسية، مسح شامل، فوتوغرافي، ملفات ترتيب ، مشاريع ترميم ، تهيئة عمرانية نتج عنها رصيد وثائقي يمثل اليوم بنك معلوماتي له دور كبير في تحديد مشاريع الترميم و الصيانة. كما استعرضت المشاكل و التحديات التي واجهت المشروع، ومن ذلك تعدد الملكية و كثرة الورثة، ووجود دور مهجورة، ومنهوبة مع تقسيمات عشوائية، وعرضت أيضاً نماذج من أعمال الترميم التي نفذت في جامع الزيتونة، والمدرسة الشماعية، التي وظفت بعد الترميم كمركز للصناعات التقليدية. وأضافت "أصبحت المدينة القديمة، حي من أحياء المدينة، يشمل كل القيم و المأثورات و التقاليد التي تأهله للمساهمة في إنماء المجتمع، من خلال توظيف معالم التراث الأثرية في ميادين الاستثمار السياحي و الثقافي". وحول الاستراتيجية المرسومة لتونس العتيقة اليوم، قالت بأن "المبدأ الأساسي للإستراتيجية المتوخّاة، يتركز على أن الصيانة لا تعني جعل المدينة متحفاً، بل ترمي للنهوض بالمدينة، والبحث عن الحلول، للتوفيق بين متطلبات الحفاظ على التراث و المتطلبات الاجتماعية و الاقتصادية العصرية وهي بذلك تعتمد على إرساء إجراءات تشريعية ملائمة بشأن ترتيب المعالم التاريخية، وإقرار حوافز مالية هامة للتشجيع على الاستثمار الخاص في ميدان التراث". من جانبه دعا د.عبدالناصر الزهراني عضو هيئة التدريس في كلية اسياحة والآثار بجامعة الملك سعود، دعا إلى تحويل العلا إلى متحف مفتوح للتراث العمراني، وقال بأن العلا تمثل نظاماً عمرانياً متفرداً يجب المحافظة عليه، والاستفادة من مواردها الثقافية العمرانية (فن العمارة) بوصفها جواذب سياحية. لافتاً إلى تمركز الموارد الثقافية والطبيعية حولها وتعددها، واهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بها، ممثلة في الجهود الكبيرة التي تبذلها الهيئة العامة للسياحة والآثار, من خلال إجراء عمليات الترميم والصيانة التي بدأت فيها, وما زالت مستمرة؛ مما يساعد على تأهيلها وتهيئتها, بوصفها منطقة جذب للسياح، وكذلك توفر الحرف والصناعات التقليدية الجاذبة للسياح في المنطقة. ودعا د. فهد الحسين الأستاذ بكلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود إلى توظيف الحرف اليدوية في مباني التراث العمراني، وقال بأن سوق الحج والعمرة والذي تقدر استثماراته فيما يتعلق بالهدايا التذكارية 30 مليار ريال، يخلو من الحرف التقليدية الوطنية، مشيراً إلى أن السلع المتوفرة في هذا السوق، هي بضائع مقلدة، معظمها يأتي من الصين وتايوان، "الحاج والمعتمر يرغب دائماً في اقتناء هدية تذكارية، من حرف بلادنا التقليدية". كما دعا للاستفادة من التجربة البحرينية والكويتية في إنشاء بيوت أو مراكز للحرفيين، تكون ملتقى لمحترفي الصناعات التقليدية، يزاولون فيها حرفهم، ويبيعون منتجاتهم، " بيت السدو الكويتي على سبيل المثال، معلم تراثي أصيل يجتهد في الحفاظ على الصناعات الكويتية اليدوية التقليدية كنسيج وحياكة الصوف وصناعة الخيام وبيوت الشعر، وقد طور المشروع ليصبح أول جمعية حرفية تعاونية".