تجوب العمالة الوافدة شوارع المدن المختلفة في الليل والنهار، وتعمل في كل مكان بموجب إقامة نظامية، وتحت اسم كفيل فرد كان أو مؤسسة أو شركة، بل وأصبحوا يحتكرون أسواقا كاملة في شتى مجالات العمل، وقد ساهم المواطن السعودي في تزايد أعدادها من خلال استغلال أسمائهم بفتح مؤسسات وهمية و استخراج تأشيرات، ومن ثم بيعها وإغراق سوق العمل في المملكة بجنسيات مختلفة يهيمون بلا رقيب أو حسيب. «الشرق» سلطت الضوء على ظاهرة المتاجرة بالتأشيرات، وتناولت آثارها القانونية والاقتصادية، ووقفت على بعض التجارب والأساليب المتبعة، واستنطقت وزارة العمل التي أكدت محاربتها للمؤسسات الوهمية، وتوعدت بعقوبات رادعة للمخالفين، كما ناقشت خفايا هذه القضية الخطيرة مع عدد من المختصين في تفاصيل السطور التالية: استئجار محل يقول أحد المتاجرين بالتأشيرات والذي تمكن من استخراج سجل مؤسسة مقاولات وهمية «تحتفظ الشرق بالاسم»:» تقدمت بطلب مؤسسة مقاولات، وقمت باستئجار محل لمدة شهر فقط، ووضعت بداخله «مكتبا وكرسيا»، ومن ثم تقدمت للبلدية بطلب ترخيص عمل، وبعد ذلك ذهبت للغرفة التجارية للحصول على شهادة الانتساب، وبعد الحصول على الرخصة وشهادة الانتساب توجهت إلى فرع وزارة المالية لدفع رسوم الزكاة، ومن ثم قمت بالتقديم على وزارة العمل لاستخراج الفيز». ويضيف:»إذا كان لديك واسطة يمكن أن تحصل على أربع فيز، وإذا لم يكن لديك واسطة ستحصل على ثلاثة فقط، والجنسيات أنا من يحددها، وطبعاً حينما تتقدم لاستخراج الفيز لابد أن تدفع رسوما عبارة عن مبلغ ألفي ريال عن كل فيزا «. إلغاء الترخيص وأكمل قائلاً : «بعد ذلك أقوم ببيعها فمثلاً الباكستاني هو الأغلى سعراً حيث يصل إلى مبلغ 15000 ألف ريال، بينما اليماني يصل إلى مبلغ 13000 – 14000 ألف ريال، والهندي إلى مبلغ 10000 – 12000 ألف ريال، وبعد عملية بيع الفيز أقوم بإلغاء ترخيص المؤسسة، وأعيد ذات السيناريو ولكن هذه المرة إما باسم شقيق لي أو قريب أو صديق، وهكذا ولي سنوات وأنا أمارس ذات الطريق، وبصراحة لم أفكر بهذه الطريقة إلاّ كوني طرقت جميع الأبواب دون أن أحصل على عمل، وبالتالي قمت بالمتاجرة بالتأشيرات وهي توفر لدي دخلا سنويا محترما جداً». باب «فزعة» و قال عن طريقة إقناعه لمن حوله بمساعدته وفتح مؤسسات وهمية أخرى بأسمائهم: «تختلف المسألة من شخص إلى أخر، فهناك من يمنحني اسمه وأنا من أدفع رسوم التأشيرات البالغة ألفي ريال عن كل تأشيرة، فضلاً عن قيامي بكافة الإجراءات بموجب تفويض منه، مقابل حصوله على مبلغ مالي في نهاية المطاف يتم تحديده سلفاً، وهناك من يمنحني اسمه من باب «الفزعة» كونه يعرف ظروفي جيداً». مليارات الدولارات ويعلق المحامي والمستشار القانوني الدولي متعب صقر العريفي قائلاً: «تنقسم العمالة الأجنبية الغير نظامية أو النظامية المخالفة إلى فئتين، فئة العمالة النظامية التي تحمل إقامة (فيزا حرة) وتعمل في الشوارع تحت اسم كفيل سعودي أو مؤسسة تجارية بموجب اتفاق بينه وبين كفيله بمنحة رسم شهري أو سنوي، مقابل عمله في متجر أو ورشة أو بقالة أو محل مواد بناء أو صيانة الأجهزة الإلكترونية، وينتشرون في الأحياء وهم مشاهدون ومعروفة طريقة عملهم، لذلك أصبحوا يسيطرون على البيع بالتجزئة ويحققون مكاسب عظيمة بمليارات الدولارات تصدر خارج اقتصاد الوطن، وكل جنسية تتعاون مع أفراد جنسيتها المتخلفين، وتساعدهم في التخلف وإيجاد أعمال وفرص عمل ولو من داخل منازلهم، أما فئة العمالة المتخلفة فتدخل البلاد بهدف الحج أو العمرة وتتخلف، أو التي تسللت عبر الحدود بطريقة غير نظامية، وليس لديها أية أوراق ثبوتية ، وغالباً يأتون عن طريق الجبال والحدود الجبلية والدولة ممثلة في سلاح الحدود تكافح هذه الفئة وتستخدم أفضل الأجهزة الحديثة في عمليات المراقبة وهي ظاهرة دولية تعاني منها حتى الدول المتقدمة، وهذه الفئة تشكل خطرا على أي مجتمع تظهر فيه «. حوادث الجنائية وأضاف العريفي: « وفقاً لتقارير دورية تثبت وجود مئات الآلاف من الحالات الجنائية التي يتم القبض عليها سنوياً، بواسطة الشرطة والهيئات والجوازات على مستوى كل مدينة ومحافظة، ويعمل في المملكة أكثر من ستة ملايين عامل مسجل رسمياً، ولكن هنالك تقارير رسمية توضح بأنه يوجد أعدادا كبيرة مخالفة وغير نظامية تعمل في المملكة، وهي الخطر الأكبر وفي تزايد عام بعد عام، ومن الحوادث الجنائية التي ترتكب سنوياً عن طريق العمالة سواءً نظامية أو غير نظامية، و بموجب إحصائية دورية للعام 1430 1431ه و التي تصدر سنوياً تبين أن عدد الحوادث الجنائية بلغ (172112) حادثة مقارنةً بالعام السابق 1430ه، وهنالك زيادة (7،4) %، وهذا يثبت بأن معدلات الزيادة في الحوادث الجنائية في نمو، وقد سجلت منطقة الرياض المرتبة الأولى في عدد الحوادث الجنائية بنسبة (37) % ،وسجلت منطقة القصيم ، والباحة ، وجيزان ، وعسير على التوالي أكبر معدلات الزيادة من بين المناطق مقارنة بالعام السابق 1430ه (93 %، ، 43%، 41% ، 26 %) على التوالي، ولا شك أن هذه المعدلات السنوية تشمل السعوديين وغير السعوديين من الجنسيات الأخرى، وتحتل الجنسية اليمنية والبنغلاديشية المرتبة الأولى والثانية في الصدارة في الحوادث الجنائية وهي تقاريرغير منشورة». طريقة التصدي و طالب العريفي بإيجاد حلول سريعة وخطط استراتيجية طموحة، من قبل عدة جهات بوزارة العمل، ووزارة الداخلية، ووزارة التعليم العالي ممثلة في الجامعات، ونشر الدراسات والبحوث، لمحاولة معالجة هذه الظاهرة الخطيرة وقال: « إن القضية أصبحت حساسة ولابد من النظر في إحلال المواطن السعودي في هذه الأنشطة، التي يمارسها العامل الأجنبي بحرية تامة في البيع والشراء والاستيراد بدون رقابة من صاحب العمل، ويتجول في المدن والمحافظات تحت أسماء كفلاء سعوديين غير متواجدين في مقر ممارسة النشاط التجاري أو الخدمي، ووضع الضوابط والشروط على تنقل العمالة بين المدن والمحافظات، وتحديد زي موحد للعمالة في كل مهنة، وأن يحمل بطاقة رسمية بارزة على ملابسه يوجد بها رقم الاتصال بكفيله عند الحاجة، وفي النهاية يجب مناقشة مثل هذه القضايا الهامة عبر وسائل الإعلام في أوقات زمنية محددة من كل عام، وأن يكون هنالك أسبوعا من كل عام يتم فيه إلقاء الضوء، والتركيز على نشر السلبيات والآثار المترتبة والناتجة من جراء تواجد العمالة على المجتمع السعودي، من واقع التقارير والدراسات الدورية والتوعوية بالأخطار التي يعانيها مجتمعنا «. وأضاف: « من الآثار الظاهرة وجود بطالة سعودية تقدر بحوالي مليون عاطل، ولاشك أن مثل هذا الرقم يشكل مؤشرا خطيرا في أي مجتمع أو دولة متقدمة أو نامية، ناهيك عن تزايد معدل الجريمة بكل أشكالها». غياب الرقابة ووأوضح المحامي عمر الخولي، أن غياب رقابة المكفول المباشرة لأعمال مكفوله عنصر مساعد لارتكاب الجريمة حيث يجد العامل نفسه حرا طليقا يعمل متى يشاء و وقت ما يشاء وبالمبلغ الذي يطلبه، على خلاف من يعمل لدى مكفوله بشكل مباشر. مشيراً إلى أن العامل إذا تردت أوضاعه المادية، وتحررمن الرقابة المفروضة عليه سينقاد للكسب المادي بشتى الطرق مشروعة كانت أم غير مشروعة. وهذا ما يزيد من ارتفاع معدلات الجريمة. ثغرات قانونية وأكد المستشار والخبير الاقتصادي علي دقاق، أن بعض الأشخاص السعوديين، يستغلون الثغرات القانونية، فيتم طلب تأشيرات بطريقة قانونية، ولكن لا يعملون للأغراض التي جاءوا من أجلها وذلك لعدم وجود مشروع حقيقي وقال: « ما بني على باطل فهو باطل، وهذا ما يؤثر على اقتصاد البلد في مسيرته التنموية، مبيناً أن العامل الحر الذي لا هدف له ولا وظيفة محددة، يؤثر على الوظائف المتاحة للآخرين، وبذلك يكون نقمة على الاقتصاد. وأضاف :» إن هذه الفئة تسعى للأرباح السريعة بدون تعب ومن غير مخاطرة، فتحجم عن المشروعات، وتتقدم للحصول على التأشيرات تحت اسم مؤسسة ما، مستغلة الثغرات القانونية، فعندما تحصل على العوائد المالية من العامل، مثلا مائتي ريال من العامل الواحد، مقابل سبعمائة أو خمسمائة أو حتى مائة عامل، وإلى ذلك يكون الدخل أعلى من الحد الأدنى الذي حددته الدولة، فتقابل وظيفة عاطل مهني واحد». كما أكد دقاق أن ما يتحقق من تدوير للمبلغ والموارد الاقتصادية وخاصة البشرية، تدوير غير حقيقي ينتج عنه أرقام غير حقيقية تضر البلد. عقوبات رادعة و ذكر المتحدث الرسمي بوزارة العمل حطاب صالح العنزي قائلاً: « لقد تصدت الوزارة لما يسمى بالسعودة الوهمية، كما اتخذت وزارة العمل كثيراً من الإجراءات لمحاربة المتاجرة بالتأشيرات، وهناك العديد من القرارات الوزارية التي تعاقب المخالفين سواء من أصحاب العمل الذين يسمحون بتسريح عمالتهم، أو العمال الذين يعملون لدى الغير دون موافقة أصحاب العمل، أو الذين يعملون لحسابهم الخاص، كما تنص على ذلك المادة التاسعة والثلاثين من نظام العمل، وكذلك أصحاب الأعمال الذين يستقطبون العمالة المخالفة للعمل لديهم، وأيضاً توجد عقوبات رادعة للمخالفين، فقد صدر القرار الوزاري رقم 1980/1 وتاريخ 8/7/1428ه الذي ينص على أن أي منشأة أو فرد يقوم بتشغيل أو إيواء عامل أو عاملة تغيبوا عن أعمالهم يحرم من الاستقدام لمدة سنتين». حرمان من الاستقدام وأضاف العنزي:« وكذلك القرار الوزاري رقم 738/1 وتاريخ 16/5/1425ه الذي يقضي بحظر كافة أشكال المتاجرة بالأشخاص كبيع التأشيرات والحصول على مقابل لتشغيل العمالة، فيحرم من الاستقدام كل من ارتكب مخالفة واحدة مما سبق لمدة خمس سنوات، ومن يكرر المخالفة أو يجمع بين مخالفتين فأكثر يصدر الوزير قراراً بعدم السماح له بالاستقدام مطلقاً، وكذلك المادة التاسعة والثلاثون من نظام العمل تنص على أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يترك عامله يعمل لدى غيره، ولا يجوز للعامل أن يعمل لدى صاحب عمل آخر، أو أن يعمل لحسابه الخاص، كما نصت المادة 233 من نظام العمل على أنه يعاقب كل من يخالف حكم المادة 39 من نظام العمل بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال ولا تزيد على عشرين ألف ريال، وتتعدد الغرامة بتعدد الأشخاص الذين وقعت المخالفة بشأنهم، ويتم ترحيل العامل على حساب من وجد يعمل لديه». انتشار الظاهرة وقال العنزي حول سبب انتشار هذه الظاهرة: «من أسباب انتشار هذه الظاهرة وجود بعض المتحايلين المتاجرين بالتأشيرات، وهناك عناصر ثلاثة شركاء في هذه الظاهرة، وهم صاحب العمل الذي أطلق عمالته سواء بمقابل أو دون مقابل مادي، والطرف الثاني العامل نفسه الذي يلجأ للعمل لدى الغير دون علم صاحب العمل، والطرف الثالث صاحب العمل الذي يقبل أن تعمل لديه عمالة مخالفة، والوزارة تسعى جاهدة للقضاء على هذه الظاهرة ».