بعد أيام قليلة من انطلاق الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في الخامس عشر من شهر مارس/آذار الماضي، بدأ الشارع السوري يلحظ انتشاراً تدريجياً للحواجز الأمنية، وتحولت مناطق عديدة في سوريا إلى ما يشبه الثكنات العسكرية. وزادت تلك الحواجز من الإحساس بالخوف والرعب، وفاقمت الاحتكاك بعناصر الأمن السورية ذائعة الصيت للمرة الأولى، ولكن لم يخل الأمر من الضحكات وخاصة عندما حاول جنود تفتيش بعض المارة خوفا من وجود "فيسبوك" معهم. وهذه قصص من الحواجز كما رواها بعض شبان مناطق دمشق وريفها ل"العربية.نت". ويقول أحد المواطنين الذي يسكن في منطقة قريبة من أحد المجمعات السكنية للضباط غرب مدينة دمشق، إنه اضطر خلال مساء أحد الأيام الأولى لاشتعال الأحداث، إلى الوقوف قريباً من منزله على حاجز أمني افتعله بعض الشباب الذين أطلقوا عى أنفسهم "لجان شعبية"، بإيعاز على ما يبدو من السلطات الأمنية حسب تقديره، وراحوا يفتشون السيارات ويضطلعوا على البطاقات الشخصية (الهويات) بحجة بحثهم عن سيارات مفخخة وملاحقتهم لمسلحين، دون أن تكون هناك أية أحداث تثير القلق في دمشق خلال تلك الفترة. في حين قال آخر من المنطقة ذاتها، إنهم أخبروه عندما سألهم عن سبب هذا التفتيش، أنهم يبحثون عن أحد الشبان الذي اختطف فتاة. فيما أكد آخر أنه حينما رفض إبراز بطاقته الشخصية بحجة أن هؤلاء الناس ليسوا عناصر أمنية ولا يحق لهم الاضطلاع على هذه الوثيقة، انفعل أحد الشبان الذين لم يكونوا مسلحين سوى بالعصي مدافعاً عن الرئيس السوري بشار الأسد قائلاً "نحن كلنا فداء للسيد الرئيس"، وكادت المشادة تتحول إلى اشتباك لولا أن أحد عناصر اللجان الشعبية أبرز بطاقته الأمنية وحاول تهدئة الوضع كما يقول الشاب. حواجز عسكريةلكن آخرين من المناطق التي شهدت احتجاجات واسعة مع انتقال المظاهرات إلى مدينة دمشق وريفها، تحدثوا عن حواجز عسكرية صارت تديرها عناصر الأمن والجيش باللباس والعتاد العسكري الكامل. ويقول أحد الشبان من مدينة دوما في ريف دمشق "ظهرت الحواجز لأول مرة في مدينة دوما بتاريخ الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، إثر الحصار الخانق الذي تعرضت له المدينة، وهذه الحواجز لا تزال قائمة إلى الآن. ويضيف الشاب، أن عدد هذه الحواجز يختلف من فترة إلى أخرى ويتركز انتشارها فقط في الشوارع الرئيسية المحيطة بمدينة دوما بالأحوال العادية، ويترافق الانتشار المكثف لها مع حصار المدينة وحملات الاعتقال. منوهاً إلى أن معظم الحواجز تتكون من متاريس رملية ورشاشات وبنادق وأحياناً قاذفات "أر بي جي". وعن تجربتها مع الحواجز الأمنية تقول إحدى الموظفات في القطاع الحكومي ل"العربية.نت"، إنه عادة ما يتم التدقيق في البطاقات الشخصية، وخصوصاً بطاقات الذكور لأن معظم المطلوبين منهم، واعتقال الأسماء المدرجة في القوائم على الحواجز التي يتواجد فيها بين اثنين إلى أربعة جنود أو عناصر أمن، رفقة بعض الأفراد من اللجان الذين يحمل بعضهم أسلحة. مؤكدة أن جزءا كبيرا من عناصر اللجان الشعبية هم من أهالي تلك المناطق التي ينتمون فيها لحزب البعث الحاكم وهو ما جعل الكثير من الأهالي يستاؤون لدى رؤية أصدقاء لهم مسلحين على حواجز أمنية ليطلبوا الكشف عن البطاقات الشخصية. معاناة إنسانيةوفي بعض الأحيان التي يجري فيها التدقيق بالبطاقات الشخصية وتفتيش السيارات تفتيشاً كاملاً، قد يمتد أحياناً طابور السيارات المتوقفة مسافة نصف كيلو متر، مما يسبب أزمة حقيقية للطلاب والموظفين كما تصف الموظفة من مدينة الكسوة بريف دمشق، معربة عن أن الطريق إلى وسط العاصمة، أضحى يستغرق الساعة أو الساعة والنصف، فيما كانت المدة إلى وسط العاصمة لا تتجاوز 30 دقيقة قبل نشر الحواجز. وهو ما أكده طالب جامعي قال إنه غالباً ما يضطر الشباب الناشطون، إلى النزول من الحافلات وسلك طرق فرعية لتجاوز الحواجز الأمنية خشية أن تكون أسماؤهم مدرجة في قوائم الاعتقال، الأمر الذي يستغرق ساعات للوصول إلى الجامعة حسب وصفه، مشيراً إلى أن قوات الأمن منعت في مرات كثيرة الحافلات التي يستقلها موظفون وطلاب جامعات من النزول إلى وسط العاصمة. ويروي الشاب الذي يمر بشكل متكرر على الحواجز، كيف أوقف عناصر الحاجز سائق تاكسي مطلوب لدى قوات الأمن، في الوقت الذي كان فيه بطريقه لإسعاف سيدة حامل. وبعد ملاسنات ومشادات كلامية بين عناصر الحاجز وزوج السيدة الحامل والسائق، تم اعتقال الأخير وزوج السيدة، فيما قام أحد رجال الأمن بتوصيل السيدة للمستشفى، حسب ما أكده الشاب. ويؤكد شاب آخر في روايته لتجربة صديق له مع إحدى الحواجز الأمنية، أن الأخير تعرض للضرب الشديد حين عاد بعد دقائق لاسترداد بطاقته الشخصية التي نسيها مع رجال الأمن حين اجتيازه الحاجز، بدعوى أنه هرب بسرعة بسبب تهريبه للسلاح في سيارته، وأنه بقي لحوالي ثلاث ساعات مدمى على الأرض، لحين مجيئ دورية أمن أخرى أعادته لسيارته بعد أن تفهمت قصته، كما يقول الشاب. كما أكد شاب آخر أنهم كانوا عرضة للقتل في إحدى المرات بحافلة، عندما أقدم عنصر على تلقيم رشاشه وتوجيهه باتجاه الحافلة، لولا أنه اكتشف أن زميلا آخر له قد أشار للحافلة بالعبور دون تفتيش، دون أن يكون هناك تنسيق بين العناصر. منوهاً إلى أن هناك الكثير من الأشخاص تعرضوا للقتل على الحواجز الأمنية بسبب أخطاء عناصر الأمن، كان آخرهم يوسف الطوخي الذي أطلق عليه النار عند أحد الحواجز الأمنية في دوما بريف دمشق. وفي قصة أخرى روى أحد شبان مدينة درعا أن قوات الأمن وضعت كيساً مليئاً بالرصاص في صندوق إحدى السيارات أثناء تفتيشها، وأن تحذير أخته التي كانت في سيارة أخرى خلفه، بأن شيئاً ما قد وضعه رجال الأمن في الصندوق، أنقذه من الحاجز الموالي عندما فتش رجال الأمن السيارة بحثاً عما قالوا إنها أسلحة داخل السيارة حسب معلومات وردتهم، والتي كان الرجل قد أفرغ ما وضع له فيها على جانب الطريق بعد تحذير أخته له. وعن تعامل رجال الأمن أثناء التفتيش يقول أحد الشبان، إن بعض رجال الأمن يتعاملون باحترام شديد مع الناس، أثناء التثبت من البطاقات الشخصية ويبدون اعتذارهم على الإزعاج، في حين أن البعض يبدي "فظاظة متعمدة" خلال وقوفهم على الحواجز. جهل العناصر الأمنية وفي حين يروي بعض الشبان قصص المعاناة مع الحواجز الأمنية، يؤكد شبان آخرون أن احتكاكهم بعناصر الأمن السورية، كشف عن جهل شديد لقوات الأمن السورية في التعامل مع الهواتف النقالة الحديثة، واللغة الأجنبية وأبسط مبادئ الإنترنت. وينقل شاب عن أحد أصدقائه، أن عنصر الأمن هدده بالحبس ستة أشهر، فيما لو مر على الحاجز مرة أخرى دون تبديل بطاقته الشخصية المكسورة مباشرة، دون أن يدرك العنصر أن تبديل البطاقة الشخصية في سوريا يستغرق ثلاثة أشهر كما هو معروف. كما أكد أحد الجنود المنشقين ل"العربية.نت" أن عنصر أمن سأله عن بطاقته المدنية أثناء إبراز بطاقته العسكرية خلال مروره على أحد الحواجز. في حين قال آخر إن هاتفه المحمول الحديث الذي كان يحتوي الكثير من مقاطع المظاهرات، أنقذه من قبضة رجال الأمن الذين تجمعوا لمحاولة فهم طريقة التعامل مع الهاتف النقال الذي يعمل بطريقة اللمس. وأكد موظف في شركة سيرياتل للاتصالات، من أن عنصر أمن سأله إن كان يحمل "فيسبوك" في جيبه، بعد أن اكتشف أن بحوزته كومبيوتر محمول. وقال آخر إن عناصر الأمن فتشوا سيارته بعناية أثناء عبوره الحاجز الأمني بحثاً عما قالوا إنه "الفكسبوكس"، لكن دون جدوى.