على أرض غوانتانامو المقفرة على بعد آلاف الكيلومترات من غراوند زيرو، موقع برجي مركز التجارة العالمين المدمرين في نيويورك، يمثل المتهمون في اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في مبنى محصن حديث جداً، تم إعداده خصيصاً لمحاكمة هؤلاء الذين يعتبرون من أكثر المكروهين في الولاياتالمتحدة، وأبرزهم العقل المدبر للهجمات خالد شيخ محمد، الذي مثل أمام المحكمة الأربعاء الماضي، في ذلك الجيب المعزول بشرق كوبا. وجلس عدد قليل من الصحافيين في رواق وراء جدار زجاجي ثلاثي الطبقات يشاهدون المداولات في جلسة المحاكمة، كما لو أنها برنامج تلفزيون الواقع يعاد بنسخة رديئة. القاضي تحدث، لكن صوت المحامي هو الذي تردد. والسبب هو أن تبادل الكلام يخرج من قاعة الجلسة بفارق 40 ثانية ما يحدث بعض الارتباك لدى وسائل الإعلام والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان و10 من أقرباء الضحايا يفصل بينهم ستار. ولدواع أمنية، يتولى "ضابط من الأمن العسكري" الرقابة على كل ما يُقال، وفي حال التفوّه بكلام حساس، يضغط على جهاز التوقف الذي يشوش الصوت على الفور. وبعد ظهر الأربعاء الماضي، وفي اليوم الثالث من الجلسة التي تستمر أسبوعاً، وللمرة الثانية منذ توجيه الاتهام إلى 5 متهمين في مايو/أيار الماضي، ظهر الضوء الأحمر إلى جانب القاضي. وساد الصمت فجأة في الرواق وأيضاً في القاعة المخصصة للصحافة في الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة، وعلى المواقع الأربعة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة حيث تنقل الجلسات مباشرة للعائلات. وخلص أحد أقرباء الضحايا بسرعة الى القول: "إنه عطل في التشغيل". والمحامي الذي تم قطع كلامه واصل حركاته كما لو كان يمثل في فيلم صامت. ويستدير الباكستاني خالد شيخ محمد، المتهم الأساسي، نحو ابن شقيقته عمار البلوشي ويتحدث إليه عن مسافة. وعندما عاد الصوت، قال القاضي جيمس بول، الذي كان جالساً على كرسيه الكبير من الجلد الاسود، إنه تم التطرق الى كلام لا يجوز بثه علناً. وفي الخامس من مايو/أيار، تسببت كلمة "التعذيب" بمنع بث قسم من المداولات. وهذه المرة ذكرت الحكومة دون أن يقطع الصوت أن خالد شيخ محمد، العقل المدبر لاعتداءات سبتمبر/أيلول "أخضع ل183 جلسة تمويه بالغرق". وكان خالد شيخ محمد، الملقّب "كي إس إم"، بحسب الأحرف الأولى من اسمه بالإنكليزية، يمسد لحيته الطويلة المصبوغة بالحناء وهو يضع سجادة الصلاة مطوية على مسند مقعده. وكان يعتمر عمامة بيضاء ويرتدي سترة عسكرية ذكرى لسنوات المقاومة ضد الاحتلال السوفييتي في أفغانستان. وحوله ارتدت المترجمات، وحتى إحدى المحاميات، الحجاب. كما اصطف نحو 10 حراس في اللباس العسكري على طول الجدار. لكن خالد شيخ محمد دون قيود. فجأة رفع يده، وأعلن محاميه أنه يريد الكلام. وقالت المدعية العامة جوانا بالتس إنه "يمكن أن نستفيد من الفارق الزمني من 40 ثانية" في حال تطرق المتهم الرئيسي الى معلومات "سرية"، "فما من محكمة أمريكية لديها التكنولوجيا التي نملكها هنا". ونقلت قطع هذا المجمع القضائي، المحاط بتدابير أمنية مشددة للغاية، والذي يشبه من الخارج مستودعاً تعلوه أبراج مراقبة، من فلوريدا بكلفة إجمالية تبلغ 5 ملايين دولار، بحسب البنتاغون. ويحوي المجمع ميكروفونات ونظام الدائرة التلفزيونية المغلقة وشاشات مسطحة وأثاث حديث جداً. وفي الرواق، كانت رسامة ترسم بأقلامها الملونة، الصور الوحيدة التي سيتمكن الجمهور من مشاهدتها. وعندما تكلم خالد شيخ محمد استمع المشاهدون "في رواق الرقابة"، كما تسميه إحدى المحاميات الى كامل حديثه العنيف ضد الولاياتالمتحدة.