تحل بالمملكة العربية السعودية ذكرى اليوم الوطني الثمانين , ذكرى توحيد وبناء الوطن على يد الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله الذي نشر بفضل الله الأمن والاستقرار والنماء والبناء وإقامة مؤسسات الدولة وتدفقت على يديه خيرات الأرض فسعى في عمارة هذه الأرض الطيبة . وقد اولى رحمه الله عنايته لمشروع التنقيب عن الزيت في أراضي المملكة العربية السعودية دعما للاقتصاد الوطني إذ تابع بنفسه تطور أعمال شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا ( أرامكو ) في المنطقة الشرقية التي وقعت حكومة المملكة العربية معها اتفاقية التنقيب عن الزيت في عام 1352ه الموافق 1933م ، فقد كان على صلة مستمرة بالمسؤولين في الشركة للإطلاع على إنجازاتها وتذليل الصعوبات التي ربما تواجهها . ففي 12 ربيع الأخر 1358ه الموافق 31مايو 1939م وجه الملك عبد العزيز رحمه الله بالموافقة على توقيع اتفاقية إلحاقية تتضمن توسيع المنطقة الممنوحة للشركة ، وإعطائها امتياز التنقيب على الزيت فيها تبعها في 20 ربيع الأول 1370ه الموافق 30ديسمبر 1950م توقيع أتفاقية إلحاقية أخرى مع الشركة بشأن خضوعها للضرائب الحكومية . ولم تقتصر متابعة الملك عبد العزيز لمشروع التنقيب عن الزيت على النواحي التنظيمية والقانونية ، وإنما امتدت لتشمل مقابلة المسؤولين في شركة الزيت العربية الأمريكية بشكل متواصل ، والقيام بالزيارات الميدانية لمنشأت الشركة , حيث استقبل الملك عبد العزيز في عام 1355ه الموافق 1936م أثناء زيارته لمدينة الهفوف كلاً من فريد دافيس رئيس مجلس إدارة شركة الزيت العربية الأمريكية وفيلكس دريفوس وتحدث معهما طويلاً حول تطور أعمال الشركة ونتائج التنقيب . وأبدى الملك عبد العزيز لهما سروره بتقدم العمل في الشركة ، وأعلن عن رغبته في زيارة المنشات النفطية ، وتفقد العمل بها . وفي عام 1357ه الموافق 1938م وصل ويليام لينهان ، محامي الشركة إلى الرياض لينقل إلى الملك عبد العزيز خبراً مهما عن الشركة يتعلق بالعثور على الزيت وبكميات تجارية كبيرة من خلال بئر الدمام رقم واحد ، التي أصحبت أول بئر منتجة للزيت في المملكة في 11 محرم 1357ه الموافق 12 مارس 1938م وأعقب هذا التطور المهم زيارة الملك عبد العزيز لمنشات شركة الزيت العربية الأمريكية في المنطقة الشرقية . وفي 8 ربيع الأول 1358ه الموافق 28 إبريل 1939م بدأ الملك عبد العزيز زيارته الرسمية الأولى للشركة ومنشآتها عن طريق البر حيث وصل إلى المنطقة في أول شهر مايو وذلك في موكب كبير وتضمن برنامج تلك الزيارة تفقد منشات الشركة في الظهران ورأس تنورة ، وقام جلالته بإفتتاح مجرى أنتقال الزيت إلى أول باخرة شحنت الزيت السعودي إلى الخارج . كما زار القطيفوالدمام والخبر وأبو حدرية وجبل القرين . وأسهمت زيارة الملك عبد العزيز للشركة في دعم أعمالها خصوصاً في المرحلة التي تلت اكتشاف الزيت بكميات تجارية في المنطقة الشرقية , وواصلت الشركة تقدمها في أعمال التنقيب عن الزيت على الرغم من ظروف الحرب العالمية الثانية وما أدت إليه من تعطيل للعمل في المنطقة . وفي عام 1366ه الموافق 1947م قام الملك عبد العزيز بزيارة لشركة الزيت العربية الأمريكية وتفقد منشآتها ، والاطلاع على أوضاعها وذلك بعد مرور حوالي ثماني سنوات على زيارته السابقة لها . وتختلف هذه الزيارة عن الأولى نتيجة لتطور أعمال شركة الزيت العربية الأمريكية ( أرامكو ) وتحقيقها نتائج كبيرة في مجال التنقيب عن الزيت ، وتصديره تجارياً من جهة ، وتطور البلاد السعودية بفضل جهود الملك عبد العزيز البارزة في بنائها وتطويرها حضارياً من جهه أخرى ، وتميزت هذه الزيارة عن الزيارة الأولى ايضا بما حظيت به من توثيق تفصيلي لأحداثها ونتائجها من خلال التقرير الذي أعد خصيصاً لتلك المناسبة . وقد أعدت لجنة المؤرخين المكلفة بمهمة توثيق الزيارة تقريرا حول الزيارة وقد تضمنً معلومات كثيرة ليس عن زيارة الملك عبد العزيز إلى المنطقة الشرقية فحسب بل عن شخصية جلالته ومواقفه الإنسانية وحكمته وذكائه السياسي كان من أبرز ما تضمنه التقرير التالي : 1-كان أهتمام شركة الزيت العربية الأمريكية بزيارة الملك عبد العزيز كبيراً وغير عادي انطلاقا من مكانة جلالته وأهمية زيارته للمنشآت النفطية ، فقد قامت الشركة بالتحضير لهذه الزيارة لمدة طويلة تصل إلى أكثر من سنة ، وعلاوة على ذلك فقد كونت الشركة عدة لجان تولت الإشراف على الإعداد والترتيب للزيارة . 2- أبدى الملك عبد العزيز تفاعلاً كبيراً مع عناصر برنامج الزيارة بشكل أكثر مما توقعه المنظمون . فقد حضر جلالته حفل الأستقبال وقرر عدم المغادرة نظراً لاستمتاعه بمشاركة الأطفال الذين جاؤوا للسلام على جلالته واللعب أمامه . كما حضر جلالته مباراة كرة القدم بين فريقين من موظفي الشركة وكانت هذه المباراة على حد قول عبدالله السليمان وزير المالية ( أول مباراة يحضرها جلالته كضيف شرف ) . 3-تضمن التقرير الإجابات التي قدمها جلالة الملك عبد العزيز للصحافيين الزائرين الذين جاؤوا لتغطية الزيارة . وجاءت تلك الإجابات معبرة عن الرؤية السياسية الواضحة لجلالته التي ترتكز على المبادئ الراسخة التي سارت عليها السياسة السعودية منذ إنشاء الدولة . فقد أوضح الملك عبد العزيز حرصه على تنمية البلاد وتطويرها وأكد في إجابته على أحد الأسئلة المتعلقة بالخطط التي أعدت للإستفادة من القرض المالي الأمريكي ، وعائدات أمتياز أستخراج الزيت أن الحكومة السعودية قررت تنفيذ العديد من المشروعات الإنشائية في مجالات : الصحة ، والزراعة ، والإتصالات ، وخطوط السكة الحديد . ولم ينس الملك عبد العزيز القضية الفلسطينية في هذا اللقاء الصحفي حيث أكد على أن قضية فلسطين قضية العرب ككل وأنه يسعى للأحتفاظ بهذا الجزء المهم من العالم العربي للعرب . 4-ظهر خلال الزيارة عدد من المواقف التي تعبر عن العديد من صفات الملك عبد العزيز المعروفة عنه مثل : التواضع ، والكرم ، والحكمة ، والسخاء ، ولقد عبر المسؤولون في الشركة عن إعجابهم بتفاعل الملك عبد العزيز مع الزيارة ومواقفة الإنسانية النبيلة تجاه المضيفين والمشاركين ، كما عبر ديفيد دونكان المصور الخاص لمجلة لايف عن رأيه في الملك عبد العزيز قائلاً ( إنه قام خلال عمله في مجلة لا يف بتصوير العديد من الرجال العظماء ولكنه لم يلتق قط برجل رفيع المقام كريم وسخي كجلالته ) .