توجد في سوريا شمال غرب محافظة السويداء قرية تسمى نجران وفي قاموس مختار الصحاح أنها قرية مر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أثناء تجارته في الشام وكانت آنذاك تتبع ( بصرى ) حيث كان الراهب بحيرى العظيم الذي كانت له مع الرسول الأعظم قصة مشهوره . وتوجد في نجران الشام أثار عظيمه وأطلال حضارات رومانيه وغسانيه وفيها كنيسة القديس ( مارجريس ) الخضر كما يقال. وكانت نجران الشام مركزا دينيا مقدسا للمسحيين وكان لنجران ولأهلها النصيب الأكبر في مقاومة فرنسا إبان الثورة في جبل العرب وكان أبو الثوار ( سلطان باشا الأطرش ) يشيد بأهل نجران الذين ضربوا أروع الأمثال في الدفاع عن عروبتهم وأرضهم ودينهم وكانوا له نعم السند . عرف أهلها بثقافتهم وحبهم للكتب والإطلاع وعرفت نجران بكثرة شعرائها وعازفي الربابة فيها والتغني بمآثر الأجداد ومفاخرهم . ويرجح أكثر الباحثين أن نجران سميت بهذا الاسم تيمنا باسم نجرانجنوب الجزيرة العربية التي كانت مركزآ دينيآ مسيحيا مهماً قبل الإسلام والتي هزت حادثة الأخدود وإحراق المؤميين فيها العالم المسيحي من أقصاه إلى أقصاه . من خلال هذه النافذة التاريخية تطل نجران الشام بلهفة إلى أمها نجران جزيرة العرب ويدور بينها حوار جميل وحديث يطول والحديث ذو شجون :- نجران الشام : صباح الحب يا أماه : إنه يستهويني أن أصبح عليك ببيت لأحد أبناءك حفظته وتغنيت به كثيرا. صباح الحب يا نجران : من أجلك غرد العصفور بألحان الهوى العذبة صباح الحب لوكل البلابل خايفه وسكوت نجران الأم : صباح الخير يازهرة الشام يا أيقونة الكرامة وموقد السويداء في شتاءات الثوار . نجران الشام : ما أروع هذا اللقاء بعد عشرات القرون وبرغم ألآلاف من الكيلو مترات . نجران الأم : يظنان كل الظن أن لاتلاقيا وقد يجمع الله الشتيتين بعدما نجران الشام : أماه : ماذا قلت على لسان ابنك الشهيد بعد أن نلتما الخلود وشربتما إكسير الحياة في نار ذي نواس ماذا قلت على لسان ابنك للطاغية ذي نواس ؟ نجران الأم : قلت له على لسان أبني : أتظن أنك عندما أحرقتني ورقصت كالشيطان فوق رفاتي وتركتني للذاريات تذرني كحلاً لعين الشمس في الفلوات أتظن أنك قد طمست هويتي ومحوت تاريخي ومعتقداتي عبثا تحاول .... لا فناء لثائر أنا كالقيامه ذات يوم آت أنا مثل عيسى عائد وبقوة من كل عاصفة ألم شتاتي سأعود أقدم عاشق متمرد سأعود أعظم أعظم الثورات سأعود بالتوراة والإنجيل وال قرآن والتسبيح والصلواتي سأعود بالأديان ديناً واحداً خال من الأحقاد والنعرات رجل من الأخدود ما من عودتي بد ... أنا كل الزمان الآتي نجران الشام : وبعد هذه الأبيات أين ذهب هذا الرجل يا أماه : نجران الأم : تعلق في غيبوبة الشمس وارتمى ليسبق نحو القدس ليلاً وأنجما وأعجله شوق إلى من يحبه كنورسة للغيم أعجلها الظما وأسبغ من دمع البتول وضوءه ومن جبل الزيتون لله أحرما وفي الحرم القدسي أجهش بالبكا وعانق يحيى والمسيح بن مريما كقنديل زيت في دخان مقدس بدا لهما لما بدا تتبسما وقالا له ممن ؟ فعرف وأنتما فقالا : من الأخدود ؟ قال ومنكما فقالا : إلى ما صار نجران بعدنا فقال إلى دين الخليل أبيكما إلى ملة الإسلام .... قالا بلهفةً صدقت خليل الله قد كان مسلما فطوبى لنجران وطوبى لأهلها مصابيح دين الله في الأرض والسما نجران الشام : لا زال قس بن ساعده يطل من عينيك ياياقوته الشرق يا حديقة الإلهام ويا رفات الأنبياء ؟ نجران الأم : ( ولا تحسبّن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء ) نجران الشام : عهدتك تحفظين القرآن عن ظهر قلب فما هي السورة التي ترقرق الدموع في عينيك؟ . نجران الأم : ( سورة الأخدود ) نجران الشام : فمم تخافين ؟ نجران الأم : كيف أخاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أمان من الله ورسوله لأهل نجران ) نجران الشام : فعلام الأسى ؟ نجران الأم : قلت الأمطار وغاضت الآبار وانقطع ماء الحياة . نجران الشام : فما الرأي؟ نجران الأم : أصلي وأستسقي عند بئر معطلة وقصر مشيد. نجران الشام : يدهشني هذا الحب ألا متناهي من أبناءك لكِ فما مدى حبك لهم ؟. نجران الأم : ماخلقت إلا من رفات أجسادهم الطاهرة وأنفاسهم ألعبقه بالرجولة والإباء , أي مدى لحب قوم قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما جاء البشير بإسلامهم بعد أن خر ساجداً لله شاكراً ( السلام على همدان ... السلام على همدان ....) أي مدى لحب قوم قال فيهم أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : لقلت لهمدان ادخلوا بسلام ولو كنت بوابا على باب جنة نجران الشام : بماذا خدمك الإعلام مع هذه الثروة التاريخية والأثرية التي لديك ؟ نجران الأم : كما قال مالك بن الريب : وأين مكان البعد إلا مكانيا يقولون لا تبعد وهم يدفنونني نجران الشام : أماه هل يستهويك أدب الشام وفنه ؟ نجران الأم : وكل أدب رفيع وفن راق يستهويني حيث كان . نجران الشام : بيت شعر لأحد شعراء الشام تحبينه ؟ نجران الأم : بيت لنزار ومن الجرح تولد الكبرياء من جراح المناظلين ولدنا نجران الشام : أي شيء تقر به عينك؟ نجران الأم : يقر بعيني ( إن سهيل بدا ليا ) نجران الشام : كخط زبور في عسيب يمانِِ ؟ لِمَنْ طَلَلٌ أبْصَرتُهُ فَشَجَاني نجران الأم : ل ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) نجران الشام : قِفا : لم هذه التثنية عند الشعراء إذا وقفوا واستوقفوا على الأطلال ؟ نجران الأم : ليس بالضرورة أن يكون مع الشاعر رفيقان يستوقفهما إنه يستوقف الجديدان ( الليل والنهار) ليتسنى له سؤال الأطلال . نجران الشام : وماذا تحفظين في هذا المجال ؟ نجران الأم : أحفظ لأمرؤ القيس بسقط اللوى بين الدخول فحومل قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وأحفظ لدعبل الخزاعي متى عهدها بالصوم والصلوات ؟! قفا نسأل الدار التي خف أهلها نجران الشام : ماذا تقولين لأبنائك المبتعثين في الخارج .؟ نجران الأم : نعم للتنوير ... ولا وألف لا للهروب من العروبة والدين والعراقة. نجران الشام : أغدا ألقاك.... ؟ نجران الأم : لن أقول " يا خوف فؤادي من غد " بل سأقول " وغداً تأتلق الجنة ُ أنهاراً وظلا " وكلي أمل وتفاؤل بغد سيشرق بالحب والوفاء والمجد لهذا الوطن ولكل الأمة العربية .