حد أكثر "الأمراض" انتشارا بين الأطفال هو ألم البطن، غير أن هذا الألم من الممكن أن يكون ناتجا عن أسباب عديدة. منها البسيط والعابر، ومنها ما يستدعي العلاج الفوري والجدي . تشكل آلام البطن المختلفة نحو 5% من التوجهات لطبيب الأطفال، ونحو 20% من التوجهات لطبيب الجهاز الهضمي. تصيب هذه الآلام آلاف الأولاد في كل عام، ويشعر الآباء والأمهات بالضغط الشديد حيال هذه الآلام التي تصيب ابنهم، خصوصا عندما لا يعرف الطبيب المعالج كيفية التعامل مع هذه الحالة. فما هي الأسباب الممكنة لها، وكيف تمكن معالجتها؟! تصيب آلام البطن البسيطة كل طفل في العالم. وفي أغلب الأحيان يكون الحديث عن تلوث بسيط جدا في المسالك الهضمية، والذي تسببه بعض أنواع الفيروسات التي من الممكن أن تسبب بالإضافة للألم بعض التقيؤات والإسهال. كل ما يجب عمله في هذه الحالة هو شرب الكثير من الماء والمحافظة على النظافة الذاتية. كما أن بإمكان إلتهابات المسالك البولية أن تسبب بعض الآلام في البطن، إلا أنها عادة ما ترافقها درجة حرارة مرتفعة و"حُرقة" عند التبول. ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى أنواع أخرى من آلام البطن مثلا، النشاط الزائد للغدد الليمفاوية البطنية، التي تشكل جزءا أساسيا من جهاز المناعة البشري، وتنتشر في كل أنحاء الجسم. ويطلق العاملون في مجال الطب على هذه الغدد اسم "سلة القمامة"، حيث أنها تنتفخ وتتورم لمجرد الإصابة بأي التهاب بسيط أو حتى "رشح" وتسبب آلام البطن. في هذه الحالات، لا يكون الوضع خطيرا، ولا يستدعي أي علاج خاص، علما بأن الآلام الناتجة عن هذه الحال عادة ما تكون "متوازية ومتساوية" في كلا جهتي الجسم وليس في جهة واحدة. كل ما علينا عمله هو تناول مسكن آلام من الأنواع المألوفة. ولكن ما العمل وآلام البطن تعاود الظهور من جديد وتقض مضجع الأولاد، مما قد يسبب الإحباط لدى الأهل. ويعتبر الطب آلام البطن التي تصيب الأولاد ثلاث مرات على الأقل خلال فترة شهرين وتسبب اضطرابات في مجرى حياتهم الطبيعية، آلاما مزمنة. عادة لا يشتكي الأولاد دون الثالثة من آلام البطن بشكل كبير، بينما تزداد الشكوى كلما ازداد عمر الطفل. ومن الممكن أن تستمر شكوى الطفل من آلام البطن حتى سنوات الدراسة الثانوية، ويعتقد المختصون بأن هناك علاقة بين اعتياد الاشتكاء خلال فترة الطفولة وبين الاستمرار بالاشتكاء بعد البلوغ. من الممكن أن تؤدي آلام البطن المتواصلة، (والتي عادة ما لا تكون ناتجة عن سبب معروف، وتتمركز حول منطقة "السرة" في البطن) إلى إزعاج واضطرابات بأداء الوظائف اليومية، كالذهاب إلى المدرسة، أداء الواجبات البيتية وغيرها من الأمور التي لا يرغب الأولاد كثيرا بأدائها. هذه الآلام ترافقها أحيانا أعراض لا تبدو للوهلة الأولى مرتبطة بالبطن، كآلام الرأس مثلا. هذه الأعراض ليست مرتبطة بأنواع الطعام الذي يتم تناوله، كما أنها تختفي من تلقاء نفسها. لكن من الممكن، في الوقت ذاته، أن تكون هذه الآلام ناتجة عن أسباب عضوية معروفة طبيا ومن الواجب تشخيصها من أجل العلاج. من هذه الأسباب مثلا: الحساسية لمادة اللاكتوز أو الحساسية لأنواع السكر المختلفة في الأغذية، الإمساك المزمن، تكاثر بكتيريا الأمعاء فوق الحد المعقول، الطفيليات والديدان في الجهاز الهضمي، التهاب المعدة الناتج عن بكتيريا "الليكوباكتر". خلال الفحص، دعوا الطفل يتكلم... من وظيفة الطبيب خلال التشخيص الأولي للمشكلة، ان يحدد إذا ما كان الأمر يتطلب تدخلا طبيا أم أنه عابر. وسيكون بإمكانه القيام بذلك بعد الاستماع لشكوى الطفل والأهل. لذلك، لا بد من إعطائه الفرصة للتحدث والتعبير عما يضايقه، وما هي الأعراض التي يعاني منها. ففي غالب الأحيان، وإن كان بعض الأهل يعتقدون العكس، يكون الاستماع لشكوى الطفل من فمه أقضر الطرق للوصول إلى الأسباب المؤدية للألم، وهي أفضل مما قد يقوله الأهل بكل الأحوال. يتمحور الطبيب بشكل عام حول آلام البطن، علاقتها بالطعام، العادات الغذائية لدى الطفل بالإضافة إلى حالات شاذة من الخوف من الممكن أن تكون قد أصابت الطفل في الفترة الأخيرة. يبحث الطبيب هنا عن "إشارات التحذير" و "المصابيح الحمراء" التي من شأنها أن تدل على أصل المشكلة. من هذه الإشارات مثلا أن يصحو الطفل في منتصف الليل لشدة الألم، هبوط الوزن، إسهال دموي، صعوبات بالبلع، آلام متركزة في منطقة محددة من البطن، تقيؤات مستمرة، التهاب المفاصل أو بطء النمو والبلوغ الجنسي. بالإضافة إلى اضطراب أداء المسالك البولية، اضطرابات الدورة الشهرية لدى الشابات الصغيرات بعد أن كانت منتظمة، أو أي تاريخ مرضي لدى العائلة كالتهابات الجهاز الهضمي وغيرها. بعد هذه المرحلة ينقل الطبيب للبحث عن المؤشرات الجسدية. هنا عليه أن يبحث عن النحول الشديد، تكتلات ورمية في منطقة البطن، تورم بالغدد، احمرار في الجلد، التهابات مفاصل، قصر بارز بالقامة أو نتوء مشبوهة حول الفتحة الشرجية. مصادفة أحد هذه الإشارات، الجسدية أو من خلال الحديث للطفل، يفرض على الطبيب التقدم نحو مرحلة أخرى هي الفحوص المخبرية الأساسية أو حتى المتقدمة، أو حتى تصوير أشعة مقطعية وما شابه إن أحوج الأمر. ما هي الأسباب الأكثر انتشارا لآلام البطن؟ الحساسية للاكتوز: هذه المشكلة منتشرة جدا بين الناس، خصوصا بعد سن الخامسة. واللاكتوز هو "سكر الحليب"، ولدى الأشخاص الذين يعانون نقصا في إنزيم "اللاكاتز" لا يستطيع الجسم أن يهضم كل كمية اللاكتوز الداخلة إليه، مما يتسبب بآلام بطن، غازات، غثيان، إسهال، تقيؤات وانتفاخات. يتم التشخيص من خلال منع المريض من تناول منتجات الألبان السائلة (المقصود ليس أجبان أو لبنة وخلافه) لمدة أسبوع كامل وفحص كيفية تأثير هذا المنع على صحة المريض وآلام بطنه. إذا تم تشخيص تحسن ملحوظ، فإن الأمر يكون متعلقا بالحساسية للاكتوز. عندها يجب التقليل أو الامتناع كليا عم تناول منتجات الألبان السائلة، دون الحاجة طبعا للامتناع عن تنالو منتجات الالبان الصلبة كالأجبان مثلا. في بعض الحلات من الممكن تشخيص هذه الحساسية من خلال فحص "نفخ" مخصص للاكتوز. الهيلوباكتير بيلوري: تسبب هذه البكتيريا القرحة المعدية. وهي منتشرة بكثرة بين الناس، في حين تحصل العدوى بها خلال فترة السن المبكرة ومن داخل العائلة بشكل عام. في غالب الحالات التي يعاني فيها الأطفال من آلام مزمنة في المعدة، لم يتم إيجاد أي علاقة مثبته بين تحسن الحالة الصحية للطفل وبين محاولات القضاء على هذه البكتيريا وإخراجها من المعدة. فمحاولة القضاء على هذا النوع من البكتيريا لدى الأطفال عادة ما لا تتكلل بالنجاح، وعلاجها صعب على الأطفال لكونه يشمل تناول ثلاثة أنواع من الادوية لمدة لا تقل عن عشرة أيام متتالية. ولا حاجة للقيام بفحوص دورية من أجل التأكد من وجود هذه البكتيريا أو عدم وجودها في معدة الطفل، حيث يفضل ترك هذا الأمر لاعتبارات الطبيب المعالج. الإمساك: إحدى أكثر الشكاوى المنتشرة بين الأطفال هي الشكوى من الإمساك. تشكل نسبة الشكوى من الإمساك نحو ربع التوجهات لأطباء الجهاز الهضمي. وبخلاف البالغين العالمين بحقيقة هذه المشكلة، عادة ما لا يميل الأطفال لإعلام أهلهم بمشكلة انقطاع إفرازاتهم. يختلف التعريف الطبي لمشكلة الإمساك باختلاف المصادر الطبية التي تعرفها. ولكن ما تتفق عليه جميع هذه المصادر هو أن هذه المشكلة تتمثل بصعوبة بإفراز البراز أو بعدم القدرة على الإفراز مطلقا لفترة تزيد عن ثلاثة أيام، على مدى أسبوعين بحيث تسبب المصاعب للطفل. يزيد انتشار هذه المشكلة بشكل بارز لدى الأطفال الذين تم إيقاف استخدامهم للحفاضات، عند سن الثالثة حتى الخامسة. في الفترة التي تقارب دخولهم إلى المدرسة والتي تتعلق بتغيير عاداتهم الغذائية أو نتيجة لأي تغيير طارئ على نمط حياة الطفل. عند تشخيص "الإمساك" بشكل مؤكد يجب علينا أن نشدد ملاحظتنا لكل ما يتعلق بتغذية الطفل وعادات دخوله للحمام. بالنسبة للتغذية، يجدر التشديد على شرب كميات كبيرة من المياه وتناول جميع مركبات الغذاء، خاصة الألياف الغذائية، والتقليل قدر الإمكان من تناول السكريات البسيطة والوجبات السريعة. بالإضافة إلى التشديد على كل ما يدخل الجسم، يجدر التشديد على الجانب الآخر من المعادلة، ألا وهو عادات الدخول إلى الحمام لدى الطفل. علينا أن نهتم بإدخال الطفل مرتين على الأقل في كل يوم، خصوصا بعد الوجبة مباشرة من أجل استغلال الحالة الطبيعية التي يكون الجسم بها في هذا الوقت والتي تميل إلى نشاط الأمعاء باتجاه إخراج الفضلات عن طريق الشرج. في حال لم تساعد الأمور المذكورة أعله على حل المشكلة، من الواجب التوجه إلى الطبيب المعالج. نظرا لأن تأخر العلاج الحالة سيزيد من صعوبتها وقد يؤدي إلى عدم القدرة على حلها بالطرق العادية. من الحلول التي قد يستخدمها الطبيب زيت "البارافين" الذي من شانه أن يحول الإفرازات إلى حالة السيولة وإخراجها من الجسم. في بعض الحالات يكون من الضروري الدمج بين العلاج العضوي والعلاج النفسي من أجل الحد من الرعب الذي قد يصيب الطفل نتيجة لإحدى نتائج الإمساك العضوية. حمى البحر المتوسط: يعتبر مرض حمى البحر المتوسط (FMF) من الأمراض الوراثية التي تتجسد بالإصابة بارتفاع درجة الحرارة المرافق لالتهاب أغشية البطن والصدر، بالإضافة إلى التهاب المفاصل. لدى غالبية المرضى، تبدأ أعراض المرض بالظهور مبكرا، قبل جيل العاشرة حتى، وفي بعض الحالات النادرة جدا تتاخر أعراض المرض بالظهور إلى حين البلوغ. مؤخرا، ومع تطور قدرات التشخيص وازدياد الوعي لهذا المرض، باتت أسراره أكثر انكشافا أمام العلماء. وبات من المعروف اليوم بأن هناك ضرورة لأن يكون كلا الوالدين حاملا لجينات المرض من أجل أن يصاب الأبناء به. في بعض المجموعات السكانية، تصل نسبة انتشار هذا الجين إلى نحو 20% من المواطنين. ينتشر هذا المرض بشكل خاص بين الأتراك، الأرمن، اليهود والعرب، ولذلك فقد أطلق عليه اسمه. يمتاز هذا المرض بنوبات قصيرة من الالتهابات التي تمر دون علاج يذكر خلال أربعة أيام على الأكثر. بين النوبة والأخرى لا يعاني المرضى من أي أعراض أخرى. آلام البطن المرافقة لهذا المرض لا تكون شديدة إلا أنها تكون مصحوبة كما أسلفنا بارتفاع درجة الحرارة. قسم من المرضى قد يعانون من التقيؤات والإسهال. عند البعض الآخر قد تظهر أعراض مثل آلام شديدة في الصدر تؤدي إلى ضيق بالتنفس. الحمى الزلاقية: يقدر عدد المصابين بالحمى الزلاقية (حساسية الغلوتين) في البلاد بنحو 20 ألفا. وبناء على التقديراتن فإن عشرات الآلاف من المواطنين مصابون بهذا المرض دون ان يعلموا بذلك، لأنهم لم يعانوا أيا من أعراضه. وقد كان الاعتقاد سائدا بأن هذا المرض هو من أمراض الطفولة التي من شأنها أن تختفي تلقائيا، إلا أن الأعوام الأخيرة أثبتت أن هذا المرض من الممكن أن يظهر في كل جيل، حتى لدى المسنين، وهو لا يختفي. بكلمات أخرة، نحن نتحدث عن مرض مزمن لمدى الحياة. المسبب الرئيس لهذا المرض هو بروتين "الغلوتين" الموجود في القمح. ويعاني مضى الزلاقية من حساسية مفرطة تجاه هذا البروتين، حيث يؤدي الدمج بين إنزيم "الغلوتاميناز" وبين "الجيلاتين" (وهي المادة السامة الموجودة في الغلوتين) إلى نشوء ردة فعل جسدية على شكل التهاب يستثير جهاز المناعة للعمل على الأمعاء الدقيقة. ينتج عن هذا المرض عدد كبير جدا من الأعراض لدرجة أكسبته اسم "مرض الألف وجه"! من هذه الأعراض (مجتمعة وكل على حدة): إسهال أو إمساك، آلام البطن، غثيان، تقيؤات، فقدان الشهية، الإرهاق، مزاج معكر، فقر الدم، اصفرار الوجه، اضطرابات في الكبد، قصر في القامة، أمراض مستمرة في الجهاز التنفسي، عدم خصوبة وحتى مشاكل في مينا الأسنان. تنتج غالبية الأعراض عن عدم امتصاص وهضم الغذاء في المعي الملتهب. أحد أخطر الأعراض هو فقر الدم، والذي ينتج عن نقص الحديد أو حمض "الفوليك". من شان التشخيص المتأخر لهذا المرض أن يؤدي إلى ازدياد مخاطر الإصابة بعدد من أنواع السرطانات، وليس الإزعاج واضطراب نمط الحياة فقط. بالإضافة إلى مخاطر الإجهاض أو ولادة الأجنة المشوهين وحتى تعطيل النمو لدى الأطفال. العلاج الوحيد لهذا المرض هو علاج وقائي، وهو الامتناع عن تناول كافة أنواع الغذاء التي تحوي مادة "الغلوتين". عندها ستتجدد لزوجة المعي المصاب وتتحسن قدرته على امتصاص المواد الغذائية من الطعام. حصى الكلى: تتشكل حصى الكلى عندما يصبح البول اكثر سماكة ولزوجة نتيجة ازدياد نسبة الأملاح به. عندما يصبح الأمر كذلك تتكتل هذه الأملاح الكثيرة وتتشكل على هيئة "حصى". معظم الحصى المتشكلة في الكليتين والتي لم يتجاوز حجمها الأربعة ميليمترات تخرج من خلال التبول، ولكن الحصى الأكبر حجما تجعل المريض بحاجة لمساعدة طبية من أجل تحطيمها ومساعدتها على الخروج. عادة ما يقوم الأطباء في المراحل الاولى بمساعدة المريض من خلال إدخال كميات كبيرة من السوائل إلى الجسم لزيادة كمية البول الخارج من الجسم ومعه طبعا الحصى. بالمقابل يتم إعطاء المريض مسكنات آلام نتيجة للألم الذي قد تسببه الحصى خلال خروجها من مجاري البول. تعتبر الحى إحدى أكثر مسببات الآلام في منطة البطن السفلي والخاصرة, ولانها كذلك فإن هناك عدة طرق "جراحية" من شأنها أن تساعد على تحطيم الحصى وإخراجها من جسم المريض من أجل تخفيف آلامه.