يعد الجسم البشري نهبا وهدفا لملايين الفيروسات والجراثيم التي تنهكه بشتى أنواع الأمراض، لكن قد يصاب بأمراض أخرى تحير الأطباء والعلماء، بحيث لا يمكن تحديد أسبابها إلا بالبحث الدقيق والدراسة العميقة الطويلة، ومنها داء كرون الذي سمي باسم الدكتور كرون الذي وصفه عام 1932. استشاري الجهاز الهضمي والكبد الدكتور نعيم أبو نبعة يعرّف داء كرون بأنه «التهاب مزمن قد يصيب أي جزء من القناة الهضمية، من الفم حتى الشرج، ويعد الجزء اللفائفي من الأمعاء خاصة الجزء الأخير منها المكان الرئيسي للإصابة إما بمفرده أو متلازما مع إصابة أجزاء أخرى مثل القولون أو الصائم، ويتميز هذا المرض بأنه يصيب منطقة ويقفز عن أخرى ليصيب المنطقة التي تليها، وهو من أمراض المناعة الذاتية، وعندما تكون الإصابة منعزلة في القولون يكون مكانها في القولون الأسفل، المستقيم أو القولون السجمي، أكثر من كونها في منطقة اللفائفي الأعوري، ويميل الالتهاب لأن يكون شاملا لجدار الأمعاء وهناك تثخن واضح في الطبقة تحت المخاطية». ويعد هذا المرض نادر الحدوث، وقد يتردد بشكل عائلي: «ونسبة الإصابة به بين الذكور والإناث متساوية، ولكن للأسف لا توجد إحصاءات دقيقة في تبين عدد الحالات المصابة به، التي تتركز بين الشباب، وتقسم أسباب الإصابة إلى عوامل بيئية وجينية خاصة بالمريض تسهم في ظهور المرض، وهذه العوامل تحدد ليس فقط الاستعداد للمرض إنما شدته، ويعتقد بعض الباحثين أن هناك عدة عوامل تؤثر في ازدياد أعداد المرضى من بينها مناخ المنطقة، ووجبة الطعام، والحالة المادية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل التدخين، وتناول حبوب منع الحمل، واستعمال السكر المكرر المصفى، والتهابات الطفولة، والنظافة المنزلية واستعمال بعض المضادات الحيوية، وهناك بعض البيانات الوبائية الحديثة التي تتحدث عن فيروس الحصبة فتقول: إن هذا الفيروس قد يبقى في جدار الأمعاء، وتشير الى أن الإصابة بالحصبة في فترة الطفولة المبكرة يمكن أن تعد أحد العوامل في تكوين مرض كرون في فترة متأخرة من الحياة، وهناك دراسات لمعرفة دور زمرة الجراثيم المعوية في تثبيط المناعة». بحثا عن المرض وعن دور الجينات في زيادة احتمالية الإصابة: «هناك إجماع على دور الاستعداد الجيني للإصابة بهذا المرض، ويُدرس حاليا دور الاستعداد الجيني في مراقبة الاستجابة المناعية لعدة عوامل بيئية، كما أن هناك دراسة للجينات المتعددة وعلاقتها المباشرة في تنظيم الاستجابة الالتهابية»، مضيفا: «الحقيقة أنه لا يوجد علامة تشخيصية واحدة تكفي للاعتماد عليها بمفردها لتشخيص مرض كرون، لذلك يتم التشخيص بجمع الأعراض والعلامات السريرية ونتائج الفحوص المخبرية، والأشعة والتنظير بالإضافة إلى نتائج دراسة العينات التي تؤخذ خلال التنظير ومتابعة تطور الحالة المرضية، ونظرا إلى أن مرض كرون يمكن أن يوجد في أي مكان من القناة الهضمية فإن الأعراض تكون مختلفة حسب مكان وجود المرض في القناة الهضمية بحسب مدة الإصابة، لذلك يجري الطبيب المختص ما يعرف بالتشخيص التفريقي لإثبات الإصابة بمرض كرون بشكل قاطع، فإذا كانت الإصابة موجودة في منطقة الدقاق الانتهائي فيجب تمييزه عن التهاب الزائدة الدودية والسل المعوي والإنتان باليرسينيا الكولونية، وإذا كانت الإصابة في القولون ففي هذه الحالة يجب تمييزها عن التهاب القولون التقرحي، والتهاب القولون الزحاري الأميبي، والتهاب القولون بنقص التروية أو آفات القولون الأنتانية. ويجب التذكير بأن المعايير التي نشاهدها خلال التنظير قد لا تكون مطلقة، لذلك فقد نكون بحاجة إلى فحص البراز لتحري الطفيليات، ويجب إجراء خزعة وأحيانا الزراعة، والحقيقة أن الألم في الحفرة الحرقفية، الربع السفلي الأيمن، يجبرنا على استثناء التهاب الزائدة الدودية، وعلى الرغم من أن أغلبية مرضى كرون المصابين بالتهاب في منطقة اللفائفي من الأمعاء يشتكون من تكرار أزمات الألم ولفترات طويلة في الحفرة الحرقفية اليمنى قبل حدوث الألم الحاد والشديد وقبل أن تظهر علامات الالتهاب الحاد، كما توجد صعوبة في التفريق بين مرض كرون في اللفائفي الأعوري ووجود خراج في الزائدة الدودية، وفي تلك الحالة قد يساعدنا إجراء أشعة تليفزيونية للمنطقة أو أشعة طبقية للبطن، ولكن إذا دفع الشك إلى إجراء عملية جراحية فإن الفحص الباثولوجي للأنسجة يميز بشكل واضح بينهما. الإصابة ببعض أنواع البكتيريا مثل الشيجبلا، السالمونيلا قد يسبب شكا تشخيصيا مع مرض كرون، ولكن عندما يحدث إسهال دموي يكون الشك من التهاب القولون التقرحي أكثر منه من مرض كرون». التشخيص المرضي وعن أعراض مرض كرون: «يظهر مرض كرون بعدة أشكال حيث إن أعراضه المرضية تكون غير متجانسة من حيث ظهوره للمرة الأولى أو تطوره أو التكهن بعاقبة المرض، وتقسم الأعراض إلى باطنية داخل الأمعاء وأخرى خارجها، وتشمل الأعراض الداخلية: الإسهال الذي يعد أحد الأعراض الأكثر حدوثا، وهناك عدة آليات تسبب الإسهال في هذا المرض من بينها التغيرات في سطح الامتصاص، والانسداد اللمفاوي الذي يحدث في المنطقة المصابة بالإضافة إلى التلوث البكتيري»، ويستطرد: «تعتمد طبيعة الإخراج وكميته ونوعه على موقع وطول المناطق المصابة، وعلى إمكانية وجود بعض المضاعفات، فعندما يصيب المرض الأمعاء الدقيقة يعاني المريض تغوطا شحميا أو إسهالا إفرازيا دهنيا، يعتمد على مكان وجود الإصابة في الاثني عشر أو أماكن أخرى في الأمعاء الدقيقة، ويعتمد كذلك على اتساع وامتداد الإصابة، ومن الآليات الأخرى التي تسبب الإسهال التلوث البكتيري الذي يتكون عند وجود انسداد ناتج من تليف وتضيق في جدار الأمعاء أوعند وجود ناسور أو اتصالات غير طبيعية بين الأمعاء، ويمكن أن يكون الإسهال مختلطا مع مخاط ودم، وفي أقل من 10 % من مرضى كرون يكون البراز طبيعيا من دون إسهال، أو يعانون إمساكا، وتأتي بعد ذلك آلام البطن التي يكثر حدوثها عندما تكون الإصابة في الأمعاء الدقيقة، ويحدث الألم عندئذ بعد تناول الطعام في منطقة ما حول السرة وفي الربع السفلي الأيمن من البطن، أما إذا كانت الإصابة في القولون الأسفل المستقيم فيحدث الألم قبل التبرز، ويتحسن الألم وتقل تقلصات وتشنجات القولون عندما يقل الالتهاب ويزول التورم الالتهابي، وهذا ما يحدث بعد تناول العلاج المناسب، خاصة إذا لم تكن الحالة تقدمت ووصلت إلى تليف في جدار الأمعاء، والحقيقة أن 25 % من المرضى عانوا ألما حادا في الربع السفلي الأيمن من البطن لفترة معينة قبل التشخيص النهائي». الأدوية ومضاعفاتها وبالنسبة إلى علاج المريض يوضح الدكتور أبو نبعة: «ليس من السهل وضع خطة علاجية موحدة لجميع حالات مرض كرون، وذلك لعدة أسباب من بينها صعوبة معالجة مرض لا نستطيع تأكيد أسبابه ومنشأه ولا كيفية حدوثه بالضبط بالإضافة إلى أن مرض كرون مغاير ومختلف في كل المعايير، لذلك يمكننا القول بأن اختيار دليل علاجي موحد للجميع هو أمر مستحيل، ولكن من الممكن أن نتحدث عن بعض العلاجات المتاحة، مع العلم بأن الأدوية المستعملة هي لتعديل أوضاع الاستجابة المناعية والالتهابية». ويضيف: «من العلاجات كذلك ملح حامض الصفصاف، غير أن الأدوية الإستيرويدية التي يتم استعمالها على نطاق واسع لعلاج مرض كرون لها تأثيرات جانبية متعددة وكثيرة، خاصة إذا تم استعمالها لمدة طويلة، من هنا تم اقتراح إيجاد أو البحث عن وسائل علاجية أخرى لوقف الاستجابة الالتهابية والمناعية للمرض، من بينها: أثاتيوبرين، ويستعمل في علاج مرض كرون خاصة النشط منه، والجرعة المتفق عليها هي 2.5 مليجرام لكل كيلوجرام من الوزن، ودواء ميثو تريكسيت الذي يستعمل أحيانا في علاج مرض كرون النشط بجرعة 25 مليجرام يوميا في العضل ولكن يمكن استعماله كذلك عن طريق الفم، ودواء السيكلوسبورين ويستعمل في علاج مرض كرون خاصة إذا لم يستجب للكورتيزون، وإنفليكسيميب «ريماكيد» وهو ذو فائدة مميزة في حالة الالتهابات المصاحبة لأمراض المناعة الذاتية، ودواء الإثاتيوبرين، ولكن لم يتم التأكد إلى الآن من دوره في إحداث تشوهات أو مشكلات في الجنين عند تناول هذا الدواء إذا تناولته الحامل التي تعاني مرض كرون، وكذلك دواء الميتوتريكسينن ويحدث إجهاضا عند السيدات إذا تم تناوله أثناء الحمل، لذلك استعماله من الممنوعات عند الحوامل، وكذلك عند الزوجين قبل الحمل، إضافة الى الميترونيدازول الذي لا يسبب مشكلات للجنين إذا تناولته الحامل ولا يمنعها أن ترضع الطفل»