عاش الوالد الشهيد بإذن الله، علي بن أحمد آل مرضمة، 85 عاما، تحت الضوء والشمس ولم يكن في حياة هذا الأمي النقي ساعة واحدة يحاول إخفاءها في زاوية أو خلية أو معسكر ظلام ليلي. حتى صورة وجهه تأخذ ملامح مشتركة من سحنات آبائنا الراحلين. هو وجه القبيلة مثل ما هو وجه رب الأسرة. وجه الصحراء التي رسمت لثماني عقود عليه كل وطأتها وإرهاصاتها الثقيلة. كان قدره أنه لم يقنع من الحياة بخمس وسبعين سنة كي يرحل منها قبل أن يعرف مصطلحاتنا المريضة من القاعدة إلى داعش ومن الحوثي إلى حزب الله وجبهة النصرة. هنا تكمن الدهشة: في الشهر الأخير من حياة "هذا الشايب" أكمل حلمه القديم بأن يقضي دينه الذي طال لخمسة عقود من تاجر نجدي. قبل ما يقرب من خمسين سنة استدان "أبوسعيد" بضاعة بقيمة خمسة عشرة ألف ريال من تاجر كان يأتي من الغالية الرياض إلى الغالية الأخرى نجران ثم يعود بعد زمن لاسترداد حقوقه، لكنه لم يعد، ظل هذا المبلغ رأس وصية ابن مرضمة كان أرقا يوميا له في حياته حتى قرر قبل شهر أن يذهب إلى (معيقلية) الرياض حيث حوزة أصحاب الدكاكين التي كان يعرفها قبل خمسين سنة. سأل عن دائنه ولكن بعد أن غابت الأسماء في غياهب الرحيل. وصل إلى ولده بعد جهد أسبوع طويل، رفض الابن أن يستعيد دينا لأبيه كان قبل خمسين سنة بل أصر على إكرام ضيفه وصديق والده الراحل. إنها شيم وطن. هنا لابد أن يستيقظ الضمير الذي بعناه في سوق المصطلحات الغادرة. ما الذي فعله هذا "الشايب" النقي التقي، الذي عاش خمسة عقود في أرق رد الدين من أجل براءة الذمة كي تقتله قنبلة خلف محراب مسجد؟ ما هو الثأر الذي حرك مجرما لألف كيلومتر كي يقتل شخصا لا يعرفه ولم يقابله أبدا في حياته ولا يتقاطع معه أبدا في شيء؟ ما هو الظلام الدامس؟ وأي منبر ومعسكر أو خلوة هي تلك التي دفعت "ظلاميا" ليقتل طاعنا هرما قضى كل حياته تحت الضوء والشمس؟ ما هو الفارق بين ضحية قضت بعد أن عاشت لزمن تحت أرق رد الدين المالي إلى صاحبه وبين قاتل سيلقى الله وقد سفك دما لا يعرفه ولم يقابله؟ منظر القاتل والضحية في الصورة المسربة تنتظر آلاف الأسئلة لأجوبة لم تكشف بعد. الصورة وحدها أبلغ من ألف رواية. صحيفة الوطن*