لن تنتهي العصبية والعنصرية والطائفية في بلدنا، أو في أي بلد في الدنيا، إلا بوجود قانون يجرمها ويعاقب عليها، النظام والقانون هما اللذان يولدان الوعي وليس العكس، الإسلام يحرم هذه الممارسات، والكل يعلم ذلك، وكثيرون ينظرون فيه، ويعظون، وينصحون، لكن كل ذلك لم يكن كافيا، ولن يكون، الذي يردع الناس هو النظام الذي يجرم أفعالهم التي تستحق التجريم، والقانون الذي يعاقب من يخالف، ومع الحزم في ذلك ومع مرور الوقت، يتحول الأمر من الخوف من العقاب إلى سلوك طبيعي عام يلتزم به الجميع وهنا يكون الوعي مجلس الشورى وقد أعلن استئناف جلسات (الشأن العام) معني بمناقشة هذا الأمر، واقتراح تشريع يجرم أي فعل أو قول عنصري أو طائفي، مع اقتراح العقوبات المناسبة، ورفعه إلى ولي الأمر لإقراره، إذ لا يليق بنا ونحن وطن مسلم أن يكون بيننا من ينتقص من آخر بسبب لونه أو مذهبه أو قبيلته أو طائفته، ثم لا يجد نظاما يجرم فعله، وقانونا يعاقبه ننفق جهودا وأموالا وأوقاتا كثيرة في التوعية والوعظ والنصح، ومع الفائدة النسبية لهذه الجهود، إلا أنه لا جدوى منها وحدها مطلقا، وما لم يكن هناك نظام وقانون فستكون تلك الجهود والأموال من باب الهدر لا أكثر أعضاء وعضوات الشورى مواطنون ويعرفون الآثار السلبية البالغة للعنصرية والعصبية والطائفية على حياة وأمن المجتمع وتعايشه، ويعرفون أيضاً أنها متفشية في مجتمعنا، وما يعلن عنه من هذه السلوكيات ليس سوى رأس جبل الجليد في مجتمع توارثت أجياله هذه العصبية والعنصرية والطائفية، غذتها سلوكيات جاهلية، وخطابات متطرفة، وطالما أن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله أصدر أمره الكريم بتجريم الانضمام أو التعاطف مع التنظيمات الإرهابية والأفكار المتطرفة، بعد أن فشلت كل أساليب التوعية والوعظ في كبح جماح التطرف والمتطرفين، فحري بمجلس الشورى أن يبادر إلى دراسة موضوع الطائفية والعنصرية واقتراح التنظيم والقانون اللازمين لكبح جماحهما، فالعنصرية والطائفية لا يقل خطرهما عن خطر التطرف والإرهاب، بل هما أحد أوجهه البشعة أعرف أن هناك من سيعتبر مثل هذه المطالبة مبالغة، وهؤلاء المهونون من شأن العنصرية والطائفية كان لهم سلف هونوا من شأن التطرف والتشدد فيما مضى واعتبروه من الموجات الطارئة التي ما تلبث أن تتلاشى لوحدها، ورأينا نتائج هذا التهوين والتوهين فيما عاناه وطننا وما زال يعانيه من الإرهاب واقعا وتهمة عالمية، لذا فمن واجب مجلس الشورى أن لا يستجيب لبعض الأصوات الانطباعية وأن يضع المشكلة تحت مشارح الدراسة العلمية ووضع الضوابط التي توقفها عند حدها حتى لا تتحول إلى كارثة وحينها يصعب العلاج، أو تكون كلفته أكبر، كما هي كلفة علاج التطرف والإرهاب الباهظة اليوم لأننا خدعنا أنفسنا وبسطناها حتى تعاظمت كما هي الآن العنصرية والعصبية والطائفية خطر كبير واضح، وليس التعصب الرياضي المقيت سوى ميدان تنفيس له، ولا سبيل لتلافي هذا الخطر سوى الردع النظامي والقانوني . صحيفة مكة المكرمة