أما بعد أتاني قس بن ساعدة الإيادي في أحلام يقظتي ، يتوكأ على عصاه ، يلبس ثوباً أبيضاً ، "متعصباً بغترة" بيضاء ، "متحزماً" بجنبية حضرمية قديمة ، وقفت منتصباً أمام شموخ وعنفوان ونور وإيمان . قلت : أرحب ، أرحب في نجرانك يا قس.. قال: ما بالكم أهل نجران الحِلام !! ترددون أسمي هذه الأيام !! أيقظتموني من حلو المنام؟!! قلت : يا قس أبشر ، أبشر يا سيدي ، أهل نجران يعدون مهرجاناً للأدب والثقافة والشعر والفصاحة ، أُدباء العرب في نجران يجتمعون ، يحاضرون ويتسامرون ، للشعر يقرضون ، وللفنون يتذوقون . أُبشرك أيها الفاضل ، أن المهرجان قد سُمي تيمناً باسمك وتقديراً لشخصك وتخليداً لذكرك ، أبشرك أنه سيتكرر في كل عام يا سيدي ، نعترف يا قس إننا نسيناك ، اختلفنا على أسمك الحقيقي وما عرفناك ، لا نحفظ خطبك ولا أشعارك ، لا نطبق حكمك ولا أمثالك ، سامحنا أيها الفصيح ، عذرنا أن نذكرك متأخرين خير من أن الا َّ نذكرك أبداً أيها الجميل. أُبشرك أيها الصادق ... إن رعاة المهرجان يعدون ، بأن كل الزوار سيستمتعون بمحاضرات ومسامرات في غابة جميلة ، سيزورون مدينة الأخدود العظيمة ، سيعيشون قصة أهلها في ملحمة مسرحية مهيبة ، سيشاهدون إبداعات أحفادك في الفنون الجميلة ، سيجدون أجمل وأفضل الكتب الثمينة ، سيرون نجران أيها القس ، نجران التي لم تعد حزينة ، نجران الخير والأم الحنونة ، نجران التي تعرفها ، نجران التي عشت فيها ، سكنتها يا قس وهي سكنتك ، نجران التي تعرف أخدودها وغاباتها وجبالها ووديانها وصحراءها وأسواقها ، أنت أعرف بها مني يا قس لأنك سكنتها قبلي. قال قس : كفى يا فتى .. لا تزعجني .. اذهب لقومك وبلغ عني ... " إن قس ابن إياد.. يقول لكم يا عباد .. ((اسمعوا وعوا ... وإذا سمعتم فانتفعوا ..)) أما بعد.. والله إن نجران لأرض الحضارات .. هي دار الكرم .. دار الشجاعات ... وأهلها أهل العز والوقفات ... يا أهل نجران تأخرتم ... قصرتم .. أين أنتم ؟ أين كنتم ؟!! لما نمتم ؟!! حان للأدب أن يحل أرض الأدب.. أرض التاريخ ... وأرض الكتب.. يا رعاة المهرجان .. أصغوا الأذان .. ابتعدوا عن البهرجات .. احذروا كذب الفلاشات .. لا تخونوا الأمانات .. أعلموا أني أراقبكم .. من فوق رعوم* أتابعكم .. كونوا صادقين .. مخلصين.. كونوا متحابين ... متعاونين .. وإذا قررتم أن تكذبوا .. وتتلاعبوا وتزيفوا .. فأعلموا أن اسمي غالي .. وتاريخي هو رأس مالي .. لا تشوهوه .. ولا تبدلوه .. لا تزيفوه .. ولا تغيروه .. أو اتركوني .. ولا تزعجوني .. نعم ... اتركوني .. ولا تزعجوني .." كان قس ينظر لي بعينين رأيت من خلالهما التاريخ بتفاصيله ، رأيت بيوت الطين والأجداد يبنون ، رأيت شهداء الأخدود يقفزون ، رأيتهم لا يحترقون ، رأيتهم فرحون مستمتعون ، رأيت نجران وهي تتطور وتتغير .... أغمض قس عينيه وقطع علي المشاهدة ، فتحهما وقال لي : " سأعود في العام القادم ، بزيكم ولباسكم ، لأنني أتطور وأتغير معكم ، انتظروني ... انتظروني " غرس قس في الأرض عصاه ، وضع على جنبيته يسراه ، سار إلى رعوم الأشم مرقابه و مرقاه ... • رعوم : جبل شامخ في نجران الأبية.. كاتب صحيفة نجران نيوز الالكترونية