بعيدا عن الاصطفافات, رغم موقفي المبدئي والبديهي مع الشعوب وخاصة العربية لما تتفرد به عن بقية شعوب الدنيا, من ابتلاء بأنظمة ديكتاتورية تسلطية في جلها, لكن هذا ليس موضوعنا, فموضوعنا هو ما يجري من أحداث دامية في سوريا وأرواح تزهق ودماء تسيل بفضاعة وبجنون, والعالم بدلا من أن يبادر بإيقاف العنف, بالبحث عن حل عملي, نجده ليس فقط يتجاهل استمرار المجازر اليومية, ولكنه وبصفاقة سياسية لا إنسانية بل وبإصطفافات سياسية من جهة وشخصية مقيتة من جهات أخرى, يتصرف بتهور وغياب تام للعقل والحكمة, وكأن اللاعبون السياسيون باسطفافاتهم, لايريدون أو أنهم بدافع, حسابات إقليمية ضيقة من جهه وحسابات سياسية إستراتيجية ,جهنمية, من جهات أخرى. ذلك لما ستؤول إليه أوضاع المنطقة, إن استمر اكتفاء الأطراف الإقليمية والدولية بتأجيج الأزمة, منتظرين انتهائها, همهم الوحيد, أن يحققوا ما يخدم سياساتهم وتوجهاتهم, التي لا تلقي للإنسان بالا في أحيان كثيرة, كل ذلك على حساب الأرواح والدماء السورية. فإلى متى حتى يقتنع المتاجرون بالأزمة السورية, أن الحوار هو الحل والخيار الوحيد لمثل هذه الأزمة بالذات, مهما بلغ عدائنا وكرهنا للنظام السوري, ورغم إيماننا أنه من أسوأ أنظمة المنطقة تسلطا. وأن لا خيار آخر, سوى خيار الكارثة وإشعال المنطقة بأسرها في حروب وفوضى عارمة لن تخرج منها إلا بإبادة بشرية وبصيغ ودويلات وإعادة رسم خارطة المنطقة, على أشلاء أبنائها حينئذ وليس أشلاء السوريين فقط كما هو جار اليوم. إن الخطط ,الرهيبة, المبيتة لتأجيج الأزمة للتوظيف السياسي من قبل القوى الغربية وبعض الإقليمية, وغياب الوعي الإقليمي بمخاطرها, لم تعد خافية ونحن نشهد حراكا تركيا أمريكيا واضحا, وما نصب الدرع الصاروخي في تركيا إلا مثالا وإعلانا للنوايا بالتدخل عسكريا في الأزمة السورية كما هو تحسبا لمواجهة قوى إقليمية قد ترى تدخلها أشبه بخيار الحياة أو الموت, عندها تشتعل المنطقة بأكملها وتدب الفوضى والخراب وتصفية الحسابات. قد يبدو للبعض وكأنني متعاطف مع النظام السوري, وهنا أؤكد أن منطلقي هو من منظور تحليلي حيادي متجرد للوضع السوري المختلف عن كل الأزمات التي قامت والتي لا تزال قائمة في بلدان عربية أخرى, ولهذا الاختلاف أسباب إستراتيجية عديدة , سياسية وجغرافية وإقليمية وبنيوية عسكرية ومواجهة مباشرة مع العدو الصريح الوحيد للعرب والمسلمين "إسرائيل". هل يعقل أن ننتظر حلا لأي قضية كانت دون حوار؟ طبعا لا. حتى الحروب لا يمكن يحقق المنتصر فيها عسكريا أهدافه إلا بالحوار في النهاية, ثم هل هذا هو ما تريده القيادات الإقليمية, أي الحوار بعد الدمار؟ أم عليها أن تدرك ودون إبطاء أن دعوة السوريين إلى الحوار الآن هو الحل الأنجع والوحيد لحقن الدماء وتحقيق مطالب الشعب المحقة بناء على برنامج زمني محدد وملزم للنظام, وعليها أن تدخل بكامل ثقلها لتجنيب المنطقة هول الكارثة التي لن ينجو منها أحد. نحن أمام خيارين لا ثالث لهما, أحدهما سيئ يمكن التعامل معه لتحقيق نتائج مقبولة وفيه حقن للدماء, وآخر أسوأ منه بمراحل به تشعل الحرب والدمار وتعم الفوضى في المنطقة بأسرها, فهل من عاقل يفضل الخيار الأسوأ على الأقل سوأ ياعالم؟ ما لم يتغلب العقل والحكمة على تصفية الحسابات الضيقة والإسطفافات الدولية والإقليمية غير المحسوبة, بشأن الأزمة السورية, فإن على المنطقة بأسرها التحسب لغد مظلم ومهول بما يخبئه من حروب إقليمية عمياء لن تبق ولن تذر. * لواء طيار ركن م / محمد بن عبد الله آل قريشه اليامي صحيفة نجران نيوز الالكترونية