في ظهيرة يوم قائض, والشمس تتعمد كبد السماء, لترسل سعيرها كرباج يلهب الأجساد.. توقفت مندهشاً, وأنا أهُم بالدخول إلى غرفة الصراف الآلي, عند طفلة تفترش الأرض مكومة هي وأختها للهروب من شمس الظهيرة التي لا ترحم, بعد أن أرسلتها أمها مع أختها الطفلة التي لا زالت في عربتها ليحتموا داخل غرفة الصراف.. كانت مفاجئة لي ولا أكاد أن أجد الكلمات التي تعبر عن وقع الموقف عليّ ! تفاجئت.. ووقفت مذعورة كأنها شبح خرج من قبره للتو ..! قلت لها بعد أن هدّأت من روعها: هل أنتِ سعودية؟! قالت بصوت طفولي - مبحوح أو مذبوح ما عدت أعرف - لا تكاد تتجاوز صاحبته التاسعة من عمرها: نعم ..! قلت: من أين؟ قالت: من.......! دُهشت أكثر .. وقلت: لماذا أنت نائمة هنا؟ قالت: إنه الحر .! فقلت: ألا يوجد لديكم أقارب؟ قالت: نعم. قلت: أين هم؟ فدفعت عربتها وخرجت مع أختها وهي حافية القدمين ولباسهما بالكاد يُطلق عليه لباس!! تركتني مع دهشتي وأسئلة محيرة, تنفست بعضها حرقة.. لماذا نكابر ونقول أنه لا يوجد لدينا فقراء؟ لماذا نكابر ونقول أننا شعب غني وتتوفر لديه كافة سبل العيش الرغيد؟! كنت بسذاجة أصدق تلك الدعاية حتى ارتطمت زجاجة تلك الأقاويل المثالية بصخرة الواقع, فجعلتها أشلاء مبعثرة بجوار ذلك الصراف! يا ترى كم حالة تحمل عنوان تلك الطفلة وعائلتها؟ لا أكل.. إلا ما يتفضل به المتخمون أو المحسنون من من يمنّون! لا بيت! لا صحة! لا تعليم! فضلاً عن مستقبل..! برسم الجمعيات الخيرية ورجال الأعمال التي تبني وتأوي ناس خارج الحدود. لماذا تعامت الأبصار عن أولئك المسحوقين؟ هل هي الدعاية Propaganda ؟ دبوس يسري في مواطن العصب.. لا انفي أن الفقر في كل دول العالم, غنيها وفقيرها, ولكن الظروف لدينا تختلف في المخرجات والمدخلات والخصوصية.. ولو أن كل تاجر اخرج زكاة أمواله لمَ وُجدت تلك الطفلة وأختها اللتان كانتا تختبئان من هجير شمس القيظ الحارقة في حضن تلك الغرفة «غرفة الصراف الآلي». بل أين البنوك المتخمة وشركات الاتصالات المتضخمة, الذين يكتنزون مليارات الريالات والدولارات, ولا يقومون بمساعدة تلك الطبقة من البشر التي تتعلق في أهداب المجهول وتلعق الأرض بكل جوارحها؟! أو أنهم فقط اكتفوا بجعل غرف الصرافات الآلية مكيفة! فاصلة: احد الزملاء (المشاكسون)، يقول لي الحياة بيضة وحجر, وفي أحسن الظروف مسمار ومطرقة. ومن الصعوبة بمكان أن تختار من تكون, أو لا توجد خيارات آخرى.! فقلت له: أنت رمادي النظرة, وفي أحسن الظروف تلبس نظارة سوداء حالكة! قال: كما تريد.. وأردف: هل قرأت كم مليون صُرف على الأندية من الشركات! فتركني النذل مع الغصة. حسين زيد صحيفة صوت الاخدود