أكد معالي وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن الضمانات القضائية في المملكة العربية السعودية أسهمت في نمو الاستثمارات الأجنبية في المملكة , وحماية رأس المال الأجنبي وفق مبادئ قضائية ومواد نظامية واضحة. وأوضح معاليه في محاضرته التي ألقاها عن العدالة مساء أمس في المؤتمر الخامس والخمسين للاتحاد الدولي المحامين الذي يضم قرابة ألف محام وحقوقي ومائة وخمسين نقيب محاماة المنعقد بمدينة ميامي بالولايات المتحدةالأمريكية أن قوانين المملكة لا تفرق بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات , والإسلام أعطى المرأة حقها وأنصفها.
وفي شأن حماية الحقوق والحريات شدد وزير العدل على أن القضاء في المملكة هو حارسُ المشروعية وحامي الحقوق والحريات، التي ضمنتها أحكام الشريعة الإسلامية، وأنظمة الدولة. وقال: "نقصد بالحرية هنا الحرية المنضبطة والمسؤولة، وهي الحرية التي تحترم النظام العام للدولة، ولا تتجاوز المفهوم الصحيح لمعنى الحرية، لأننا يجب أن نفرق بين الحرية والفوضى، وبين الحرية والإخلال بالنظام العام ".
وأضاف معاليه : " الحرية المسؤولة منحة من الله تعالى يولد عليها الناس، ليس لأحد فضل ولا منة فيها وعلى الدولة والتشريعات حمايتها ".
وأبان معالي وزير العدل أن قضاء المملكة يعاقب على الجريمة الإرهابية بعقوبة جسيمة، آخذا في اعتباره ظرفها المشدد، وانطوائها على جرائم عديدة حسب التكييف الذي استقر عليه النظر القضائي، وذلك نظراً لأبعادها الخطيرة التي تصفها بالجريمة الفوقية في التدرج الإجرامي. وفي سياق حديثه عن التحديثات الأخيرة لنظام السلطة القضائية أكد أن نظام العدالة في المملكة لم يعش أي لحظة فراغ وأن التحديثات في نظام القضاء هي في الواقع مكملات تطويرية تمليها مستجدات الواقعة القضائية والأفكار الإجرائية الجديدة.
وأشار إلى ان الاختلاف يكمن في مدى مرونة النظام وقابليته للتحديث والتطوير، مؤكداً أن أنظمة عدالة المملكة مرنة وليست جامدة فهي قابلة للتطوير بدون تعقيد أو ممانعة متى تولدت القناعة القاطعة بذلك.
وأوضح الدكتور العيسى أن المملكة منفتحة على غيرها إيجاباً وهي أول من بادر برفع راية حوار الحضارات والثقافات والأديان .
وقال : " لقد بادر علماؤنا بالحوار في الكثير من البلدان الغربية منذ أكثر من أربعين سنة، وسجل التاريخ هذه الثقة والانفتاح، لكنها كانت في استمرارها ونشاطها بين مد وجزر لأنها تفتقد العمل المؤسسي وهو ما سارع له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله من خلال عمل مؤسسي تاريخي عبر إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار , ودعوة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات " .
وعد معاليه القيمة الأخلاقية والالتزام بشرف المهنة هي حصانة المحامي .
وأكد معالي وزير العدل خلال محاضرته أن عدالة المملكة تحتفي بكافة المعاني الأخلاقية والإنسانية الرفيعة، التي ترعى وتحمي حقوق الإنسان، وتعتبرها من أثمن القيم والأجدر بالمحافظة عليها في إطار الضمانات التي أكدت عليها الشريعة الإسلامية وأنظمة الدولة، مستدلا بذلك أن الله تعالى كرم الإنسان على غيره، ولا مجال للإساءة لهذه الكرامة الإلهية، وبين أن هناك مشتركاً إنسانياً في مفاهيم العدالة لكن الاختلاف في التفاصيل والمدارس مؤمنين بأن بعض اختلافاتها محوري.
واستطرد يقول :" إن تاريخ نظام السلطة القضائية في المملكة يعود إلى ما يقارب المائة عام، وأن هناك إجراءاتٍ استقرَّ عليها عرف القضاء في ذلك الوقت، شكلت حجر الأساس للنظام، لتتحول فيما بعد إلى أنظمة مكتوبة مثلت بمجموعها نظام السلطة القضائية، جاءت على مراحل زمنية متتالية، شملت نظام السلطة القضائية العام، ونظام القضاء الإداري، وإجراءات التقاضي في الموادّ المدنيّة، والتجاريّة، والأحوال الشخصية، والجنائيّة، والإداريّة ".
وبين معالي وزير العدل أن المملكة تأخذ بمفهوم القضاء المزدوج وهي فكرة إسلامية قديمة تتجاوز الألف عام، وأخذت بها بعض المدارس القضائية , مفيدا أنه على امتداد مراحل التطور والتحديث التنظيمي المستمر هناك قواعد راسخة تمثل نقطة ارتكاز العدالة في المملكة التي تحتفي بكل المعاني الأخلاقية والإنسانية التي تحمي حقوق الإنسان وحرياته المشروعة وتتوافق مع صحيح نظريات وقواعد العدالة الإنسانية.
واستعرض معالي وزير العدل أهم القواعد التي ارتكزت عليها العدالة في المملكة حيث اعتمدت نصوص الشريعة الإسلامية مصدراً للأحكام القضائية، من خلال اعتماد التفسير الصحيح لوجهات النظر المختلفة في فهم النص والاستنباط منه، مبينا أن التنوع والاختلاف في تفسير النصوص أثرى المادة الفقهية بثروة علمية، حيث لا يوجد نظرية حقوقية صحيحة إلا ولها أصل قوي في معطيات هذا الثراء الفقهي.
وتناول معاليه أهم القواعد التي ارتكزت عليها العدالة في المملكة مثل استقلال القضاء, وركيزة ضمانات العدالة التي قال بأنها تتمثل في عدة أمور من أهمها بعد استقلال القضاء نشر الأحكام القضائية, وعلانية الجلسات , مبينا أن من ضمانات العدالة الأخذ بمبدأ تعدد القضاة في أصل قضاء المحاكم الجزائية، وبعض دوائر المحاكم الابتدائية الأخرى، وفي كافة دوائر محاكم الاستئناف، وكذلك المحكمة العليا، وفي القضايا الجنائية الكبرى التي بينها نظام السُّلطة القضائية، تنظر هذه القضايا في جميع الأحوال وجوباً من ثلاثة قضاة في المحكمة الجزائية، وخمسة قضاة في محكمة الاستئناف، وخمسة قضاة في المحكمة العليا .
وشرح معاليه ضمانات العدالة في المملكة مبينا أن حق التقاضي مكفول للجميع بموجب دستور الدولة ، وكذلك الحق في اللجوء للقضاء الطبيعي , إلى جانب مبدأ المساواة أمام القضاء, بالإضافة إلى حق كل شخص في المثول أمام القضاء للدفاع عن نفسه أو توكيل محام عنه, وعدم جواز إخفاء أي من مستندات القضية عن أي من أطراف الدعوى بذريعة سريتها متى كان من شأنها التأثير على مسار القضية , مشيرا إلى أن من ضمانات العدالة إنشاء محكمة مبادئ ونظام وهي المحكمة العليا في القضاء العام، والمحكمة الإدارية العليا في القضاء الإداري، وتعنيان حسب اختصاص كل منهما بالمحافظة على المبادئ القضائية وجمعها والمحافظة على سيادة التشريع.
ومضى معالي وزير العدل قائلا " إن المملكة تشجع كثيراً الأخذ بمفهوم " القضاء البديل " للتخفيف على المحاكم ، وتسهيل الإجراءات على المتقاضين , وحفظ العلاقة بينهما في إطارها التصالحي قدر الإمكان, مشدد على أن التحكيم عنصر مهم في إنهاء القضايا .
وتحدث معاليه خلال محاضرته عن موضوع التحكيم قائلا : " إنه عنصر مهم في إنهاء القضايا , مفيدا بأنه يدخل في هذا الموضوع الأحكام الصادرة من محاكم أجنبية التي يُطلب من المملكة تنفيذها على أراضيها، مؤكدا أن القضاء السعودي لا يتدخل في الموضوع ويهمه عدم مخالفة نظامه العام ".
وبين أن إدارة العدالة في المملكة تحرص على الأخذ ببدائل تسوية المنازعات، كما تحرص على أن يتم تفعيل العقوبات البديلة إيماناً منا بأن إصلاح المدان وإعادة تأهيله يمثل أهمية اجتماعية يجب أخذها في الاعتبار مع المحافظة على معادلة التوازن بين هذا الأمر وبين عنصر الردع وحفظ حق المجني عليه.
وواصل وزير العدل حديثه عن العدالة في المملكة متطرقا إلى القضايا الجنائية لافتا الانتباه إلى أن العدالة في المملكة تجرم بشدة الاتجار بالبشر، وغسل الأموال، وتهريب، وترويج، واستخدام المخدرات، وتتعامل مع جرائمها بكل قوة وحزم في إطار مبادئ وقواعد العدالة والتشريعات المحلية. ونوه معاليه بمهنة المحاماة مشيراً إلى أنها تمثل الجانب الثاني من العدالة وهو الجانب الواقف , قائلا " إن المحاماة من أهم أعوان القضاء، وأنها شريكه المصاحب واليومي في إيصال العدالة ". وأضاف : المحاماة لها تأثير مهم في العملية القضائية , وأصفها بأنها مهنة الحرية والكرامة والكفاح، وظيفتها حماية الحقوق، ووسيلتها الكلمة الصادقة وسندها التشريع.
وأبرز الدكتور العيسى أهمية المحامي في إسناد القضاء بالدفاع العادل قائلاً " إن هذه المهنة تحولت من خصم مجرد أمام القضاء إلى شريك في إيصال العدالة تعبر عن وجهة نظرها عن قضية موكليها " .
وتمنى معاليه أن يسود هذا المفهوم في جميع دول العالم حيث لا تزال هذه المهنة بحاجة إلى الدعم والإسناد والإعفاء من الضريبة في حالات خاصة ولاسيما عند تقديمها مستوى معين من الخدمات المجانية الخيرية وخاصة مبادرتها بتحمل تكاليف المعونة القضائية، مشيراً إلى أن المحامي السعودي يجد كل الدعم والمعونة وليس عليه أي أعباء ضريبية تقديراً من الدولة لهذه المهنة وانطلاقا من فكرة أن المحاماة تسند العدالة وأن العدالة لا تقدر بثمن.
وتطرق وزير العدل في ختام محاضرته إلى التعريف بمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء المدعوم بمليارات الريالات والمتزامن مع صدور نظام السلطة القضائية الأخير ، مبينا أن وزارة العدل شرعت في تنفيذ ما يخصها من المشروع الذي تم تصنيفه إلى عدة أقسام أولها يتعلق بصروح العدالة في مبانيها وتجهيزاتها الذكية, وثانيها التقنية حيث عملت الوزارة على إحداث نقلة تقنية متميزة حيث تم العمل على التفعيل المرحلي لتطبيق المحكمة الإلكترونية, وثالثها الجوانب العلمية والتأهيلية والتدريبية .
ثم جرى نقاش مفتوح خلال المحاضرة بين معاليه وعدد من المحامين , حيث بين معاليه أن الوزارة نفذت العديد من البرامج عبر محور الثقافة العدلية لبرنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء لإعطاء رصيد من المعلومات عن الثقافة الحقوقية والعدلية وتقديم النصائح والمساعدة القانونية والمعونة القضائية , مقدراً تعاون قطاع المحاماة مع وزارة العدل, مشيرا إلى أن ضعف الجانب الحقوقي هي مشكلة عالمية.
وقال معالي وزير العدل : أي أمر يخدم العدالة ويكون لطالبه صفة قضائية وفق قوانين المملكة فإنه متاح, فيما أثنى المحامون على شفافية العدالة في المملكة , ومراحلها التطويرية المستمرة. وتساءل المحامون عن إمكانية الاستفادة من خبرات وتجارب المملكة في جانب العدالة , حيث أكد معاليه إتاحة الاستفادة من خبرات وتجارب المملكة العدلية .