أكد وزير العدل الدكتور محمد العيسى أن عدالة المملكة تحفل بكافة المعاني الأخلاقية والإنسانية الرفيعة، التي ترعى وتحمي حقوق الإنسان، وتعتبرها من أثمن القيم والأجدر بالمحافظة عليها في إطار الضمانات التي أكدت عليها الشريعة الإسلامية وأنظمة الدولة، مستدلا بذلك أن الله تعالى كرم الإنسان على غيره، ولا مجال للإساءة لهذه الكرامة الإلهية، وبين أن هناك مشتركاً إنسانياً في مفاهيم العدالة لكن الاختلاف في التفاصيل والمدارس، مؤمنين بأن بعض اختلافاتها محوري. وقال العيسى في محاضرة ألقاها عن العدالة في المملكة مساء أول أمس في المؤتمر الدولي لاتحاد المحامين المنعقد بمدينة ميامي بالولايات المتحدةالأمريكية الذي يضم قرابة ألف محام وحقوقي ومائة وخمسين نقيب محاماة : "إن تاريخ نظام السلطة القضائية في المملكة يعود إلى ما يقارب المائة عام، وأن هناك إجراءاتٍ استقرَّ عليها عرف القضاء في ذلك الوقت، شكلت حجر الأساس للنظام، لتتحول فيما بعد إلى أنظمة مكتوبة مثلت بمجموعها نظام السلطة القضائية، جاءت على مراحل زمنية متتالية، شملت نظام السلطة القضائية العام، ونظام القضاء الإداري، وإجراءات التقاضي في الموادّ المدنيّة، والتجاريّة، والأحوال الشخصية، والجنائيّة، والإداريّة. وبين وزير العدل في محاضرته التي تأتي ضمن مِحور التواصل الدَّولي لمَشروع خادم الحَرَمين الشَّريفين لتطوير مرفق القضاء أن المملكة تأخذ بمفهوم القضاء المزدوج وهي فكرة إسلامية قديمة تتجاوز الألف عام، وأخذت بها بعض المدارس القضائية. وأوضح أنه على امتداد مراحل التطور والتحديث التنظيمي المستمر هناك قواعد راسخة تمثل نقطة ارتكاز العدالة في المملكة التي تحتفي بكل المعاني الأخلاقية والإنسانية التي تحمي حقوق الإنسان وحرياته المشروعة وتتوافق مع صحيح نظريات وقواعد العدالة الإنسانية. واستعرض وزير العدل أهم القواعد التي ارتكزت عليها العدالة في المملكة حيث اعتمدت نصوص الشريعة الإسلامية مصدراً للأحكام القضائية، من خلال اعتماد التفسير الصحيح لوجهات النظر المختلفة في فهم النص والاستنباط منه، مبينا أن التنوع والاختلاف في تفسير النصوص أثرى المادة الفقهية بثروة علمية، حيث لا يوجد نظرية حقوقية صحيحة إلا ولها أصل قوي في معطيات هذا الثراء الفقهي. واستكمل معاليه أهم القواعد التي ارتكزت عليها العدالة في المملكة مثل استقلال القضاء، وركيزة ضمانات العدالة التي قال بأنها تتمثل في عدة أمور من أهمها بعد استقلال القضاء نشر الأحكام القضائية، وعلانية الجلسات. وأبان وزير العدل أن من ضمانات العدالة الأخذ بمبدأ تعدد القضاة في أصل قضاء المحاكم الجزائية، وبعض دوائر المحاكم الابتدائية الأخرى، وفي كافة دوائر محاكم الاستئناف، وكذلك المحكمة العليا، وفي القضايا الجنائية الكبرى التي بينها نظام السُّلطة القضائية، تنظر هذه القضايا في جميع الأحوال وجوباً من ثلاثة قضاة في المحكمة الجزائية، وخمسة قضاة في محكمة الاستئناف، وخمسة قضاة في المحكمة العليا. مشروع خادم الحرمين لتطوير القضاء ساهم بتطوير المحاكم وتجهيزها اليكترونياً وأفاد أن من ضمانات العدالة في المملكة أن حق التقاضي مكفول للجميع بموجب دستور الدولة، وكذلك الحق في اللجوء للقضاء الطبيعي، إلى جانب مبدأ المساواة أمام القضاء، بالإضافة إلى حق كل شخص في المثول أمام القضاء للدفاع عن نفسه أو توكيل محام عنه، وعدم جواز إخفاء أي من مستندات القضية عن أي من أطراف الدعوى بذريعة سريتها متى كان من شأنها التأثير على مسار القضية. وأشار إلى أن من ضمانات العدالة إنشاء محكمة مبادئ ونظام وهي المحكمة العليا في القضاء العام، والمحكمة الإدارية العليا في القضاء الإداري، وتعنيان حسب اختصاص كل منهما بالمحافظة على المبادئ القضائية وجمعها والمحافظة على سيادة التشريع. وقال: "نشجع كثيراً الأخذ بمفهوم القضاء البديل للتخفيف على المحاكم من جهة، وتسهيل الإجراءات على المتقاضين من جهة أخرى، وحفظ العلاقة بينهما في إطارها التصالحي من جهة ثالثة قدر الإمكان. وأشار العيسى إلى موضوع التحكيم وقال: "إنه عنصر مهم في إنهاء القضايا، مفيدا بأنه يدخل في هذا الموضوع الأحكام الصادرة من محاكم أجنبية التي يُطلب من المملكة تنفيذها على أراضيها، مؤكدا أن القضاء السعودي لا يتدخل في الموضوع ويهمه عدم مخالفة نظامه العام. وفي شأن حماية الحقوق والحريات أوضح وزير العدل أن القضاء في المملكة هو حارس المشروعية وحامي الحقوق والحريات، التي ضمنتها أحكام الشريعة الإسلامية، وأنظمة الدولة، قائلاً: "نقصد بالحرية هنا الحرية المنضبطة والمسؤولة، وهي الحرية التي تحترم النظام العام للدولة، ولا تتجاوز المفهوم الصحيح لمعنى الحرية، لأننا يجب أن نفرق بين الحرية والفوضى، وبين الحرية والإخلال بالنظام العام. وقال: "الحرية المسؤولة منحة من الله تعالى يولد عليها الناس، ليس لأحد فضل ولا منة فيها وعلى الدولة والتشريعات حمايتها". وأوضح تقديره لمهنة المحاماة مشيراً إلى أنها تمثل الجانب الثاني من العدالة وهو الجانب الواقف. النظام القضائي في المملكة مرن وقابل للتطوير متى استدعت الحاجة وقال: "إن المحاماة من أهم أعوان القضاء، وأنها شريكه المصاحب واليومي في إيصال العدالة". وأضاف: "المحاماة لها تأثير مهم في العملية القضائية، واصفها بأنها مهنة الحرية والكرامة والكفاح، وظيفتها حماية الحقوق، ووسيلتها الكلمة الصادقة وسندها التشريع". وأكد أن الضمانات القضائية تحمي رأس المال الأجنبي في المملكة وفق مبادئ قضائية ومواد نظامية واضحة، مشيرا إلى أن الضمانات القضائية أسهمت في نمو الاستثمارات الأجنبية في المملكة. وبين الدكتور العيسى أن قضاء المملكة يعاقب على الجريمة الإرهابية بعقوبة جسيمة، آخذا في اعتباره ظرفها المشدد، وانطواءها على جرائم عديدة حسب التكييف الذي استقر عليه النظر القضائي، وذلك نظراً لأبعادها الخطيرة التي تصفها بالجريمة الفوقية في التدرج الإجرامي. وأوضح معالي وزير العدل أن المملكة منفتحة على غيرها إيجاباً وهي أول من بادر برفع راية حوار الحضارات والثقافات والأديان. وقال : "لقد بادر علماؤنا بالحوار في الكثير من البلدان الغربية منذ أكثر من أربعين سنة، وسجل التاريخ هذه الثقة والانفتاح، لكنها كانت في استمرارها ونشاطها بين مد وجزر لأنها تفتقد العمل المؤسسي وهو ما سارع له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من خلال عمل مؤسسي تاريخي عبر إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار، ودعوة خادم الحرمين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات". وواصل وزير العدل حديثه عن العدالة في المملكة متطرقا إلى القضايا الجنائية حيث أكد أن العدالة في المملكة تجرم بشدة الاتجار بالبشر، وغسل الأموال، وتهريب، وترويج، واستخدام المخدرات، وتتعامل مع جرائمها بكل قوة وحزم في إطار مبادئ وقواعد العدالة والتشريعات المحلية. وأبرز أهمية المحامي في إسناد القضاء بالدفاع العادل قائلاً إن هذه المهنة تحولت من خصم أمام القضاء إلى شريك في إيصال العدالة تعبر عن وجهة نظرها عن قضية موكليها، وتمنى أن يسود هذا المفهوم في جميع دول العالم حيث لا تزال هذه المهنة بحاجة إلى الدعم والإسناد والإعفاء من الضريبة في حالات خاصة ولاسيما عند تقديمها مستوى معينا من الخدمات المجانية الخيرية وخاصة مبادرتها بتحمل تكاليف المعونة القضائية، مشيراً إلى أن المحامي السعودي يجد كل الدعم والمعونة وليس عليه أي أعباء ضريبية تقديراً من الدولة لهذه المهنة وانطلاقا من فكرة أن المحاماة تسند العدالة وأن العدالة لا تقدر بثمن. وفي سياق حديثه عن التحديثات الأخيرة لنظام السلطة القضائية أكد أن نظام العدالة في المملكة لم يعش أي لحظة فراغ وأن التحديثات في نظام القضاء هي في الواقع مكملات تطويرية تمليها مستجدات الواقعة القضائية والأفكار الإجرائية الجديدة. وقال: "إن الاختلاف يكمن في مدى مرونة النظام وقابليته للتحديث والتطوير، مؤكداً أن أنظمة عدالة المملكة مرنة وليست جامدة فهي قابلة للتطوير بدون تعقيد أو ممانعة متى تولدت القناعة القاطعة بذلك. وأضاف: "إدارة العدالة في المملكة تحرص على الأخذ ببدائل تسوية المنازعات، كما تحرص على أن يتم تفعيل العقوبات البديلة إيماناً منا بأن إصلاح المدان وإعادة تأهيله يمثل أهمية اجتماعية يجب أخذها في الاعتبار مع المحافظة على معادلة التوازن بين هذا الأمر وبين عنصر الردع وحفظ حق المجني عليه". وختم وزير العدل محاضرته بالتعريف بمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء بالتزامن مع صدور نظام السلطة القضائية الأخير وتم دعم المشروع بمليارات الريالات، مبينا أن وزارة العدل شرعت في تنفيذ ما يخصها من المشروع الذي تم تصنيفه إلى عدة أقسام أولها يتعلق بصروح العدالة في مبانيها وتجهيزاتها الذكية، وثانيها التقنية حيث عملت الوزارة على إحداث نقلة تقنية متميزة حيث تم العمل على التفعيل المرحلي لتطبيق المحكمة الإلكترونية، وثالثها الجوانب العلمية والتأهيلية والتدريبية. عقب ذلك فتح باب النقاش مع الحضور حيث أكد وزير العدل أن القيمة الأخلاقية والالتزام بشرف المهنة هي حصانة المحامي. رئيس اتحاد المحامين الأمريكيين: مبادئ العدالة في المملكة تتوافق مع نظيراتها في المدارس القانونية وأوضح معاليه أن قوانين المملكة لا تفرق بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، والإسلام أعطى المرأة حقها وأنصفها. وأفاد أن ليس لدى المملكة قضاء استثنائي، بل لدى المملكة القضاء الطبيعي، والأخذ بالتخصص النوعي الذي يعطي المزيد من التفرغ للمادة القضائية في شقها التخصصي، مثل المحاكم المتخصصة وغيرها. وتمنى الرئيس الحالي للاتحاد الدولي للمحامين باسكال مورار أن يؤثر دعم المملكة للعدالة عبر برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء إلى تشجيع دول العالم لدعم العدالة، مثنيا على إتاحة قوانين المملكة للاستفادة منها. في حين قال الرئيس المنتخب للاتحاد الدولي للمحامين إدريس الشاطر إن المعلومات التي تتحدث عن العدالة في المملكة وتطورها اطلعت الجميع على الحقائق والتنظيم القضائي في المملكة، مثمنا التقدم الذي تعمل عليه حكومة المملكة. فيما وصفت رئيسة اتحاد المحامين الأمريكيين لورا بلوز محاضرة وزير العدل بأنها أوضحت الكثير من القوانين والنظام القضائي في المملكة. وقالت: "إن مثل هذه اللقاءات تنير المحامين بقوانين الدول وتوضح العدالة في المملكة عبر المعلومات التي أوردها وزير العدل، مضيفة بأن العدالة في المملكة تتوافق مع مبادئ العدالة في كل المدارس والشرائع القانونية. وأبدى رئيس المؤتمر الخامس والخمسين للاتحاد الدولي للمحامين جيمس موري إعجابه بالتطور العدلي في المملكة من خلال المعلومات التي ألقاها وزير العدل عن القضاء والعدالة والمحاماة، بالإضافة إلى الإجابة على مداخلات المحامين مما أعطى صورة واضحة عن العدالة في المملكة. وعد جيمس موري مشاركة وزير العدل إضافة كبيرة للمؤتمر متمنيا استمرار التعاون بين الاتحاد الدولي للمحامين والمملكة. وأبدى عدد من الطلبة السعوديين المبتعثين ارتياحهم لما حملته المحاضرة من معلومات يجهلها المحامون في بلدان العالم. وفي سياق متصل اجتمع وزير العدل برئيس الاتحاد الدولي للمحامين باسكال مورار وأعضاء الاتحاد. وتطرق الاجتماع إلى أسس العدالة في المملكة وخطواتها الإجرائية وإصلاحاتها التنظيمية والتطويرية، والنقلات النوعية في نظام القضاء، وضمانات حياده واستقلاله، وضمانات أنظمة مرافعاته وإجراءاته، وأهم المبادئ والنظريات العدلية والحقوقية ومستوى التعاطي معها في العملية العدلية، وإعطاء نماذج قضائية على كفاءة الأحكام الشرعية في كافة المواد القضائية.