هل فرقت المعاناة بين قبطي ومسلم لكي تفرقهم ضروب السياسة؟ إن السرطان الذي أدخلته الأسمدة المسرطنة ومزق أجسادنا لم يفرق بين قبطي ومسلم، ومياه الشرب المخلوطة بمياه الصرف الصحي التي لوثت دمائنا لم تفرق بين قبطي ومسلم، وأنفلونزا الطيور التي استوطنت بلادنا وأنفلونزا الخنازير التي وجدت ملاذها الآمن لدينا لم تفرق بين قبطي ومسلم، والمعاناة حتى الموت في طابور رغيف الخبز لم تفرق بين قبطي ومسلم، والهواء الملوث الذي نستنشقه جميعاً وتهتكت به صدورنا لم يفرق بين قبطي ومسلم، والفساد الذي نخر كالسوس مفاصل الوطن ونهب ثرواته لم يفرق بين قبطي ومسلم، ومياه النيل التي ستضيع من أيدينا وتذهب لإسرائيل هي مملوكة للقبطي والمسلم، والقراصنة الذين استولوا على الوطن لم يفرقوا بين قبطي ومسلم، وأخيراً إذا غرق هذا البلد فسيغرق بمن فيه ولن ينجو من الطوفان لا قبطي ولا مسلم. لم يكن القبطي والمسلم في مصر يوماً في صراع، بل عاشا في سلام دائم ووئام مستمر، خرجا سوياً في المظاهرات ضد الاستعمار مطالبين بالاستقلال، وهتفا معاً ضد الظلم والقهر، وحملا السلاح معاً ضد جميع أعداء مصر، وافتدياها بالروح في حرب 1948، ووقف أحدهما خلف الآخر لحمايته في بور سعيد عام 1956، وتعرضا معاً لمعركة ظالمة عام 1967، وعبراً سوياً قناة السويس وارتوى بدمائهما ثرى سيناء فأينعت أشجاراً وارفة الظلال تشهد على اتحاد جسديهما عام 1973، في مواجهة جميع المخاطر التي يتعرض لها الوطن لا فرق بين قبطي أو مسلم، إنه المصري، والمصري فقط الذي يتآمرون عليه الآن ويحاولون استدراجه إلى معارك خسيسة علهم يتمكنوا من سلبه فرحته بتحقيق النصر على الظلم والطغيان الذي حققته عزيمة وإرادة القبطي والمسلم في ثورة 25 يناير التي أبرزت المعدن الأصيل لعنصري الأمة المصرية التي ستظل أبد الدهر مرفوعة الرأس ما شاء الله للدنيا البقاء، وسيظل شعب مصر الطيب عابداً لله ما بقيت الأعمار وأستقرت الأمصار، وستبقى كنائس مصر ومساجدها عامرة بالمؤمنين ما بين طلوع الشمس وحتى المغيب، فالدين هو العلاقة الأبدية بين الإنسان وخالقه، تنعكس آثار تلك العلاقة على معاملته مع غيره، لا فرق في ذلك بين قبطي أو مسلم، فالدين يُهذب النفوس وتسمو به الروح، والتعصب يعمي البصائر وتجحد به القلوب. نحن ندرك أننا نعبد إله واحد، ونعيش في وطن واحد، وسنتكاتف ضد من يستعملون الدين لأغراضهم السياسية الدنيئة، وحرصهم الشديد على السيطرة الأبدية على مقدرات الوطن بعد أن تمكن الشعب من استرداد مصر من بين أيديهم الملطخة بالدماء، فالشعب يدرك أن مؤامرات الشياطين بليلٍ لن تنتهي للإيقاع بين الشعب وإقحامه في مشاكل متنوعة ومتكررة علهم ينفسون الغضب الذي ملأ نفوسهم بعد أن زالت دولتهم دون رجعة. فالحكم البائد قد زال، واستدعاء الماضي الأليم من المحال، وعودة مصر إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير ضرب من ضروب الخيال. عادل الجوهري - محامي