ترتهن فكرة مبادرة (الصعود إلى القمر ) التي تطلقها محافظة المخواة على نموذج تاريخي تمثله (عقبة المصدرة ) وإعادة إحياء الطريق التراثي الذي شكل مايشبه الملحمة حيث لم يكن وصول الدواب الى قمة جبل شدا الاسفل أمراً متاحاً بل كان حلم الأهالي كونها ستساهم في ربط قرى الجبل بالعالم الخارجي وستكون بمثابة جسر للتبادل التجاري والتنمية في مختلف جوانبها إصرار الأهالي ودعم الحكومة ساهم في فتح طريق للدواب كان حدثاً تنموياً بامتياز وقبله لم يكن هناك سوى طريقين : الأول طريق المثعوب الذي رصفه أهالي قرية الأشراف العبادلة قبل طريق المصدرة الذي سيدشن بإحياء (مبادرة الطريق إلى القمر ) بنحو احد عشر عاما يبدأ من قمة الجبل الجنوبية وينتهي بحنف جنوب غرب المخواة ، ولكن الجمل لا يستطيع العبور منه لضيقة وانحداراته الصعبة . والطريق الاخر هو طريق ما يسمى “بالعرق” الذي يبدأ من الحوى الى الغرب من المخواة وينتهي الى بركاء في الثلث الاول من الجبل ثم يتفرع من هناك الى باقي القرى عبر مسارات أيضا صعبة وضيقة يصعب على الجمال المحملة بالبضائع السير فيها ، عندها قرر أهالي الجبل فتح طريق بديل وواسع تستطيع القوافل السير فيه وهي محملة بالمنتجات من والى الجبل، وهنا قصة إصرار تستحق أن تروى حيث تصدى لهذه المهمة أحد رجالات الجبل وهو الشيخ علي بن سعيد الشدوي فكتب برقية وهو يقف بعرفة في حج 1375 ه الى جلالة الملك فيصل رحمه الله مطالبا برصد ميزانية لفتح طريق مريح وواسع لهذا الجبل والشيخ علي بن سعيد هو أحد أبرز اعلام المنطقة ومن أوائل من هاجروا من الجبل وفي وقت مبكر للدراسة في مكة ومن ثم الرياض . في عام 1388 جاءت المبالغ المرصودة لتنفيذ الطريق عن طريق ادارة المواصلات في بلجرشي وكان المبلغ ( 160000) مئة وستين الف ريال بعدها قرر رجال جبل شدا بدأ العمل في شق الطريق وبهمة عالية تلامس علوه فشيدوا طريق ” المصدرة ” وبمهارة وطرق هندسية رائعة . بدأ العمل في شهر شوال من عام 1388ه وانتهى في شهر جماد الثانية من عام التالي 1389 ه وكلف رجل يدعى بن شباب والمحاسب عتيق المجدوعي من ببلجرشي بالإشراف على المشروع وتسليم أجور العاملين حسب بيانات الاسماء ومقدار الأجرة اليومية لكل عامل ، فكان لمعلم البناء 20 ريالا بينما مساعده يتقاضى أجرا قدره 15 ريالا . والملغب وهو الذي يخرم الصخور بالعتل ثم يفجرها بالبارود فقد كانت اجرته 20 ريالا بينما مساعده يتقاضى 10 ريالات بدأ العمل وكان على هيئة مجموعات كل مجموعة مكونة من سبعة افراد ، معلم بناء واثنين مساعدين ، وملغب واثنين مساعدين . وشكلت مجموعات عمل على النحو التالي : مجموعة أحمد عبدالله ابن السروي مجموعة جمعان بن عثمان مجموعة جحيش مجموعة رديف مجموعة الشنيني مجموعة المسافرة مجموعة محمد بن جمعان مجموعة جمعان بن عبد الخبير وكان عددهم جميعاً 52 أثنان وخمسون عاملاً . استمر العمل ما يقارب ثمانية أشهر على الرغم من شح الادوات ولكنها الهمم العالية والنفوس الصافية والقلوب الوافية صرف من المبلغ 120 مائة وعشرون الف ريال , ثم جاء انذاراً يفيد بأن المبلغ لا يكفي لإنهاء الطريق عندها تحركت الغيرة في قلوب الأوفياء لإنهاء ما بقي فشارك الجميع في إنهائه حتى الذي لم يحالفه الحظ في أول وهلة وبمقابل مادي جاء ليعمل دون مقابل وفاءً واحتراماً وتقديراً وشهامةً . تم فتح الطريق وانتظمت فيه حركة القوافل والدواب نزولا وصعودا وكان صاحب الجمل يأخذ اجرة على الكيس الواحد المحمل على الجمل 40 ريالا والجمل يحمل بمعدل ثلاثة أكياس ويتذكر اليوم كبار السن هذه الحكاية ويستحضرون الحفل البهيج الذي أقيم حين صعدت الجمال محملة بمختلف المواد لتكون تلك اللحظة ملهمة بمقاييس زماناتهم واليوم يعيد التاريخ نفسه فمبادرة الطريق إلى القمر التي تتخذ من الطريق نفسه منطلقاً نحو مزيد من العطاء التنموي الذي يحلم به أبناء شدا .