عبدالرحمن جان تشير كتب علم الإدارة أن الإدارة علم وفن ، وأنها كما تراعي وتهتم بالجانب الإداري كالإلتزام بتطبيق الأنظمة والقوانين واللوائح الإدارية فهي أيضا تهتم بالجانب الإنساني كونها تتعامل مع إنسان وليس مع آلة صماء لا تشعر ولا تتأثر ، لذلك أي قائد إذا أراد النجاح لإدارته وكسب قلوب وولاء موظفيه عليه أن يوازن بين هاذين الجانبين فمتى ما طغى جانب على الآخر فشلت إدارته ، فالمرونة مطلوبة في علم الإدارة ، فإذا كانت الآلة وهي آلة مكونة من جماد لا احساس ولا مشاعر وليس لها ظروفا تواجهها سوف تتلف تروسها إذا عملت لمصلحة العمل وأهملت ولم تعمل لها الصيانة اللازمة لضمان استمرار عملها عندها ستتعطل وسيتوقف انتاجها ويتوقف العمل ولا شك سيترتب على ذلك مشاكل عدة ، فما بالك بالإنسان المكون من روح ودم وجسد ومشاعر وقد تؤثر عليه الظروف الصحية و الضغوط الداخلية والخارجية النفسية والاجتماعية المحيطة به ، فالموظف والموظفة يتحملون على عاتقهم عدة أدوار فالموظف له دوره كموظف ودوره كإبن ودوره كأب وأخ تقع عليه مسئولية تجاه هؤلاء وكذلك الموظفة لها نفس الأدوار ومسؤلة أيضا . والموظف سواء كان ذكرا أو انثى يقع بين سندان ظروفه وأدواره وبين مطرقة العمل ، ويقف حائرا بينهما فهل يغلب أدواره الاجتماعية على دوره كموظف فإن غلب جانب على آخر خسر أحدهما ورغم ذلك نشاهد في واقعنا أن بعض الموظفين أو الموظفات يغلبون ظروفهم الإنسانية على ظروف العمل مما قد يضطرهم للإستقالة أو قد يتعرضون للفصل بغض النظر عن المشكلة الاقتصادية التي سيواجهون فيما بعد . والأمثلة على الظروف الإنسانية متعددة ولا يمكن حصرها جميعها هنا ، فمثلا بعد مكان مقر العمل عن مكان سكن وأسرة الموظف أو الموظفة لا سيما إذا كان العائل الوحيد لهم أو كانت موظفة وواجهت صعوبة في النقل والمواصلات كون طبيعتها كإمراءة يشق عليها ذلك الأمر . ومن جانب آخر هناك صنفا من الموظفين يسعون للإضرار بزملائهم وتشويه سمعتهم عند الادارة من خلال توصيل سلبياتهم مما يؤدي إلى توتير العلاقة بين المدير والموظف أو رئيس القسم ، ولكن للأسف الشديد ما جعل هؤلاء الموظفين المضرين يتمادون في اضرارهم استماع بعض المدراء لأمثال هؤلاء وكان على المدير من باب تحري الدقة وقمع الموظف الضار لعدم تكرار تصرفه هذا في المستقبل وفي نفس الوقت ليريح المدير نفسه من الانشغال بمثل هذه التفاهات والمشاكل ، وكان عليه مواجهة الموظف الفتان مع الموظف المفتون عليه وجها لوجه بهدف كشف الأول أمام زميله ولمنعه من هذا السلوك غير المرغوب والذي يحول بيئة العمل إلى بيئة غير صحية . وبعض المدراء يرشحون المقربين منهم من الموظفين لرئاسة قسم أو إدارة أو لترقية أو بواسطة بغض النظر عن مدى صلاحيته لهذا الترشيح وقد يكون هناك من هو أكفأ منه خبرة وشهادة وبدون عمل مفاضلة بين الموظفين لاختيار الأصلح وحتى وإن وجدت المفاضلة تكون النتيجة معروفة مسبقا وكانت المفاضلة مجرد شكليات فقط ولكن لو كانت هناك لجنة محايدة من خارج المنشأة لتحققت العدالة في المفاضلة . وهناك بعض المدراء لمجرد خلاف بسيط بينهم وبين رئيس القسم بسبب تقصير بسيط خارج عن إرادته ورغم خبرته وخدماته وجهوده طوال السنوات الماضية يتم استبداله برئيس أخر لتصفية الحسابات . ومن جانب أخر يواجه بعض الموظفين ضغوطا إدارية غير صحية تؤثر سلبا على أداؤهم الوظيفي واستقرارهم النفسي فمثلا عندما يكلف موظف بالعمل قسرا في غير تخصصه أو في قسم أخر ودائما يتحجج المدير بأن عقد العمل به بندا يلزم الموظف من قبل مرؤسيه بالعمل حسب ما تقتضيه مصلحة العمل ، وأعتقد أنه ليس من مصلحة العمل أن يعمل موظف في غير تخصصه لذلك كان ينبغي أن يعدل هذا البند بتكليف الموظف من قبل الإدارة حسب ما تقتضيه مصلحة العمل على أن يكون في نطاق تخصصه وقدراته . وفي بعض الأحيان يقع بعض الموظفين ضحية خطأ إدارتهم فيكلفون بالعمل في أقسام أخرى بسبب أن عدد الموظفين فائض في القسم مما أدى إلى التكدس في حين تواجه اقساما أخرى نقصا في عدد الموظفين ، في هذه الحالة ما ذنب الموظف أو رئيسه المباشر في هذا التكدس إذا كان توجيه أو تعيين هذا الكم الهائل من الموظفين كان من قبل الإدارة العليا لقسم محدد بحكم تخصصهم لماذا لم يرفض قبولهم في المنشأة ويعادوا إلى الإدارة العليا ليعاد توجيههم لمنشأة أخرى أكثر احتياجا لهم ، ثم بعد ذلك تفيق الإدارة بأن لديهم تكدس موظفين في قسم ما ، أين الالتزام بالمعايير من البداية أم أن على الموظف السمع والطاعة العمياء فقط وهو من يتحمل أخطاء الإدارة ، ثم أن الموظف متعاقد على أن يعمل في القسم الذي يستطيع ممارسة تخصصة من خلاله أوليس هذا العقد ملزم التقيد به ، وهنا تظهر على السطح ظاهرة تسرب الموظفين عنوة من أقسامهم وتخصصاتهم إلى أقسام وتخصصات أخرى ، ويلامون بعد ذلك من الإدارات العليا بأنهم هم السبب بموافقتهم للعمل في غير تخصصهم وأنه كان ينبغي عليهم اللجوء إلى إدارتهم في الإدارة العليا أو إلى مكتب العمل لمساعدتهم فيما يواجهون من ضغوط من إدارة المنشأة ، ثم لماذ تحرم الإدارة بقراراتها الجائرة ولاء وانتماء الموظفين لتخصصاتهم ومهنتهم ، مما يؤدي مع مرور الوقت إلى نسيان الموظف لتخصصه وعلمه الذي سيذهب أدراج الرياح ، و عندما يرفض الموظف أو رئيسه الانصياع لقرارات الإدارة تشن عليهم الحرب والتهديدات بالفصل كل ذلك لماذا لأن الموظف يرغب العمل في تخصصه الذي يبدع فيه ولأن رئيسه المباشر متمسك في موظفه لمصلحة العمل بالقسم ، ثم لماذا لا تطلب إدارة المنشأة من الإدارة العليا تزويدهم بالموظفين لسد النقص والعجز لديهم ، وأين أقسام حقوق الموظفين في المنشآت ؟! أليست هذه ضغوط نفسية وسوء معاملة من الإدارة للموظف قد تعرضه للأمراض الحسية والمعنوية . ألا يخشى هذا المرؤس على أولاده أن يعاملوا بالمثل ، وأين هذا المدير الجائر من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دعى فيه قائلا : «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به» رواه مسلم.