كان آنيشتٓين لا يفتأ يُمجَدُ الفرد. فالفردُ في نظره هو الذي يصنع التاريخ. وقدكتب يقول:( إنّ ما يُعٓوّلُ عليه حقَاً ليس الأُمّة، بل الفرديّة الخلّاقة الحسّاسة ، بل الشخصيّة، بل ما يُحقق الأمر النبيل الرفيع، بينما. سائر القطيع لهُم أحلام العصافير ، ولا حساسة فيهم). وقال أيضاً : " إن جميع الخبرات الماديّة والعقليّة والأخلاقيّة التي تلقيناها من المجتمع على مرّ الدهور والعصور مصدرها الأفراد الخالقون. فالفرد هو الذي استنبط النار دفعةً واحدة . والفردُ هو الذي اكتشف زراعة النباتات الغاذية. والفرد هو الذي صنع الآلة البُخارية" . إنّ الفطرة السليمة تجعل عقل الإنسان كجهاز الاستقبال ، يجذُبُ نحوه الأفكار والأشخاص والأشياء؛ فحين يفكّر تنجذب الأمور التي فكّرت بها أمامك وما عليك إلّا الاختيار كما يجذب المغناطيس إليه جميع ذرات الحديد. فقط نحتاج إلى التركيز ؛ لنختار ما نحتاجه. فالفرد المُنعزِل عن الناس هو وحده الذي يستطيع أنْ يُفكّر ، وبالتالي يخلُق قيماً جديدة تتكامل بها الجماعة. فأنت أمام طلب وهذا الطلب خارقاً للعادة، وبإيمانك به تنجذب إليه حتماً من خلال تركيزك الذهني لهذا الطلب والرغبة المشتعلة لتحقيقه، والتفكير الدائم فيه ؛ يقودك ذلك كُله ؛ لتحقيق الهدف ، فكُل فكرة تُصبح حقيقة بقدر توقّد تلك الفكرة، فكُل فكرة تدور في الذهن تخلق قوّة بنفس المستوى ؛ لتأتي بشيءٍ مُطابق ومساوٍ لها. إنّ عطاء الفرد يتجلّى في كونهِ بعيداً عن المنِّ ودون انتظار مقابل ، وتلك طبيعة (الخالقون)( وهم من يخلقون الفرص لاقتناصها وقد تكون بمشاركة الآخرين) يقول تعالى:( فأمّا من أعطى واتّقى ؛وصدّق بالحُسنى؛فسنيسّرهُ لليُسرى) إنّ القليل مع القليل يُصبحُ كثيراً، ولأنّ الأمور الصغيرة التي يظنّ الإنسان أنها لا تُغيّرُ حالاً هي في الواقع لو تجمعت لكونت جبلاً من الإنجازات والعلاقات.. فالأشياء الصغيرة تخلق فرقاً ، ومعاني كبيرة. يقول صموئيل سميلز: ( إنّ أهل المواظبة يستخدمون فضلات الوقت لمقاصد جليلة وينتفعون بها نفعاً عظيماً). إنّ إضافة الجهد اليسير إلى أي عمل ستزيد من فاعليّة العمل وإنتاجيّته. يقول الشاعر: إنّ للخير أهلاً وللشرّ أهلاً…… من ترك شيئاً كُفِيٓهُ. وكون الفرديّة الخلّاقة تكون للخير كما أنها للشرّ أقرب، وتُعرف تلك الفردية من خلال فراسة النُّخب من النّاس إذْ يقول أبو العتاهية: * وللقلب على القلب…… دليلٌ حين يلقاه وللناس من الناس…. مقاييسٌ وأشباهُ وللخير رِجال أصحاب عزيمة وإرادة قويّة متى ما توكّلوا على الواحد القهار نالوا شرف العِزّة والإباء ، يقول تعالى:(فإذا عزمت فتوكل على الله*) ويقول سُبحانه:(* وإنْ يُردْكٓ بخيرٍ فلا رادّٓ لِفضْلهِ ) فالإرادة سِرُّ النجاح. فمن ينتصرُ على نفسهِ يكنْ أقوى ، وهُنا تكمن الفرديّة الخلّاقة. لنا في تاريخنا القديم والحديث ما قبل الإسلام وما بعده رِجال ، الواحد منهم قبيلة لوحدة ، منهم القادة ومنهم المفكرون والعلماء والأدباء وكذلك المخترعون والعباقرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ رجلان أطفآ حرب استمرّت أربعين سنة( حرب داحس والغبراء في الجاهلية). فجاء الإسلام برسالة خير البشر والبشرية محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلّم- ومن جاء معه من الصحابة والتابعين. والتاريخ مرصّع بالنجوم اللآلىء الذين خلّد ذكراهم لكونهم أصحاب فرديّة خلّاقة.