لا يختلف اثنان أن شهر رمضان أضحى موسماً أساسيا للمسؤلين عن الفضائيات العربية لإنتاج الدراما والمسلسلات وبرامج المسابقات وغيرها ، لعرضها في هذا الشهر الكريم ، وقد ذكرت إحصائية نُشرت عبر مواقع الإنترنت أن عدد المسلسلات التي تم إنتاجها للفضائيات العربية خصيصاً ( وأكد على خصيصاً ) لشهر رمضان للعام الماضي وصل مائة وخمسة وعشرون مسلسلاً في مقابل خمسون مسلسلاً فقط تم إنتاجها طوال الإحدى عشر شهراً الماضية ، أي بما يعادل 70% من كمية الإنتاج السنوي للمسلسلات تم إنتاجها لشهر رمضان ، وذكرت إحصائية أخرى أن أكثر من ستة وثلاثون ألف ساعة إنتاجية من المسلسلات موجهة في رمضان هذا العام (يا للهول) إن كانت تلك الإحصائيات دقيقة فذلك أمرٌ مخيف جداً ، ويدعوا للقلق والخوف أن نفتقد روحانية الشهر الكريم في السنوات القليلة القادمة لما سوف يتربى عليه جيل اليوم من التشويق الذي تبثه كثيراً من القنوات لتحري شهر رمضان (ليس لما يحمله من رحمة ومغفرة وعتقٌ من النار) بل لما يحمله (البرايمر) الترويجي للبرامج والمسلسلات قبل أكثر من شهر عن رمضان والتشويق لتحري الشهر الكريم لمتابعة مالذ وطاب من المسلسلات وبرامج المسابقات ، وقد اختارت كثيراً من القنوات شعاراً لتلك الحملة ، ويظهر هذا الشعار عند نهاية كل إعلان ترويجي ، حيث اختارت إحدى القنوات شعار (رمضان يجمعنا) في حين اعتمدت قناة أخرى شعار "جاك ماتمني تهنى.. والحاضر يعلم الغائب"، وقناة ثالثة جعلت شعارها "اسأل مجرب من رمضان اللي فات ، رمضان يقربنا" وغيرها من الشعارات للتلفزيونات والفضائيات العربية التي تستغل هذا الشهر بعكس ماكان يفترض أن يكون من خلال التقليل من المسلسلات أو إلغاءها وتكثيف برامج المسابقات الدينية والتنويع في البرامج الثقافية والتاريخية والوثائقية ، وأعتقد أن سبب ذلك كله ينحصر في : 1) الطمع المادي لدى القائمين على تلك القنوات من خلال تشجيع المعلن وإغراءه بتلك المسلسلات التي يقوم ببطولتها نجوم الدراما وحجم المشاهدة لجلب أكبر عدد من المعلنين . 2) استغلال الذروة الجماهيرية في المتابعة من المشاهدين بإنتاج برامج المسابقات التي تعتمد الاتصال بأرقام (700) ورسائل sms . 3) التوجه الديني الغير معلن من بعض المسولين عن التخطيط في تلك الفضائيات من غير المسلمين وذلك بشغل المسلم عن استثمار شهر الطاعة بالمعصية وإفساد صيامه وقيامه ، وإقناع صاحب القناة بأهمية الإنتاج من خلال إغراءه بالربح المادي الكبير . 4) التقليد الأعمى من بعض القنوات بإنتاج المسلسلات والبرامج لمحاولة المنافسة وكسب أكبر عدد من المشاهدين . وكم هو مؤسف حالنا اليوم لما نلحظه من حشد للمسلسلات في هذا الشهر الكريم ، وكم هو مخزي هذا التوجه من أصحاب القنوات والقائمين عليها الذين أصبح رمضان بالنسبة لهم موسماً ربحياً لجلب أكبر عدد من المعلنين على حساب روحانية الشهر الكريم وهم يبثون التبرج والسفور ، وطرح قضايا الزواج والطلاق وسفاسف الأمور ، من حب وغرام وماهو منهي عنه وحرام ، وكم نخشى أنه مع مرور السنيين إذا أستمر الحال على ماهو عليه أن تُفتقد روحانية رمضان ، فجيل اليوم إذا تربى على هذا الوضع الذي اعتدناه في كل موسم من حشد للمسلسلات والبرامج والشعارات فلن يبقى في الأذهان رمضان الخير ، رمضان العبادة ، رمضان الطاعة ، بل سترتسم في الذاكرة رمضان السهر ، رمضان المتابعة للمسلسلات والبرامج والمسابقات ، عبر القنوات والفضائيات ، وحينها هيهات أن نشعر بروحانية رمضان هيهات … هيهات . بقلم : د . خضر اللحياني [email protected]