رآني أحمل حقيبة سفري فبادرني بقوله ( على وين النية ؟) أجبته بلا تلكؤ إلى معرض الكتاب في الرياض . قال لي و هو يمد صوته متعجباً : معرض الكتاب في زمن اليوتيوب و توتير و الواتساب ؟ ثم أردف قائلاً : لا أعتقد أن الكتاب بقي له أثر في زمن الإعلام الجديد و ثورة الاتصالات الحديثة ، و استطرد متحدثاً : يا عزيزي المعلومة اليوم لا تكلفك أكثر من ضغطة زر عند ( الشيخ قوقل) أو ( تطشه وحدة) على شاشة جوالك تحوله إلى مصباح علاء الدين يخرج لك منه مارداً يقول لك : ( شبيك لبيك المعلومة بين أيديك ) . ثم أنطلق بسيل من الأسئلة : أنتم للحين تعرضون كتبكم ؟ و كيف تعرفون ( أزينها ) ؟ و هو ( يجيكم ) أحد ؟ و كيف تمدحونها لزواركم ؟ و هل هي مربحة ؟ و كم تمثل شريحتكم من المجتمع ؟ , توقف عن الأسئلة و توجه إليّ ضاحكاً و هو يقول : لو تروح تحضر مزاين الإبل أفضل لك من مزاين الكتب . و قبل أن أجيبه عصفت به عدة تساؤلات و تأملات : ألهذه الدرجة هانت منزلة الكتاب في نفوسنا ؟! ألهذه الدرجة وصلت نظرتنا لأبرز مصادر الثقافة ؟! ألسنا الأمة المبدوء تأريخها باقرأ ؟ ألسنا الأمة المفاخرة ب ( كتابها ) المعجز ؟ ألسنا جيل تغني طويلاً ب : ( و خير جليس في الزمان كتاب ؟ ) كم هو مؤلم أن يكون 40% من أمة اقرأ غارق في الأمية و لا يحسن أن يقرأ أصلا , و حتى القارئ منا لا يتجاوز معدل قراءته السنوية بحسب إحصاءات الأممالمتحدة ( ربع صفحة من كتاب ) , هل صدق من قال: أن العرب لا يقرؤون ؟ لغة الأرقام بكل أسف تصدقه فمقابل كل 200 ساعة قراءة للفرد في الغرب هناك 6 دقائق فقط للفرد في الوطن العربي . و الطفل الغربي يقرأ في العام ما يعادل 12 ألف دقيقة في حين يقرأ الطفل العربي بضع عشرة دقيقة فحسب . يصدر في الوطن العربي سنوياً كتاب لكل 12 ألف مواطن في حين يصدر في إنجلترا مثلا 24 كتاب لنفس العدد في نفس المدة , بمعنى أنهم يتفوقون علينا فقط ب 23 ضعف لا غير . وصلنا لمرحلة أن القراءة أصبحت الهواية الأخيرة بلا منازع في الوطن العربي فنحن نهوى كل شيءٍ إلاّها . و ثمرة ذلك يتذوقونها هناك , و العلقم نتجرعه وحدنا هنا . قد يكون للبعض عذره , كمن انشغل بكسب رزقه أو لا يجد ثمن كتابٍ يقرأه , فما هو عذر من يشتكي من طول أوقات الفراغ و يشتري كل شيء حتى ما لا يحتاجه و لا يستخدمه ؟! كلنا نؤمن أنه لا عز و لا رفعة و لا منعة لأي أمة أو وطن إلا بالمعرفة و القدرة على مواكبة الواقع بل و التفوق عليه . و في ذات الوقت لا نفعل شيئا . هذه المرة دعونا نتجاوز حدود إلقاء اللوم على التعليم و الإعلام و المجتمع و دعونا نتسأل أين دورنا في بيوتنا ؟ أين دورنا مع فلذات أكبادنا ؟ هل استشعرنا أهمية ( تغذية ) عقول أبنائنا كما استشعرنا أهمية تغذية أجسادهم ؟ هل وفرنا لهم الكتب كما وفرنا لهم اللُعب ؟ هل هيئنا لهم المكتبات ( الخاصة بهم ) كما هيئنا لهم القنوات ( الخاصة بهم ) ؟ هل شجعناهم و حفزناهم و كافأنهم على أن تكون القراءة هب أيقونة حياتهم و بوصلة توجهاتهم ؟ هل أرحنا ضمائرنا ببذل الأسباب بدلاً من كثرة اللوم و العتاب ؟ هل كنا عوناً لأبنائنا على المصالحة مع القراءة و الكتاب بدلاً من ( الفرجة ) و انتقاد القطيعة ؟ تأملات و تساؤلات لا زالت عالقةً في ذهني , غير أني عدت لأجيب صاحبي قبل أن يغادر , و لم أجد ما أجيبه به إلا أن أقول له بلغةٍ يفهما : هذا معرض الكتاب يا صديقي… ما تعرف معرض الكتاب ؟ لو هو معرض PDF كان أشوا ) . بقلم / سعد بن خميس الشراري