جزعت بالأمس من بكاء أمي المتواصل وهي على الطرف الآخر من الأثير وبدأ لي أن في الأمر شيئا وكنت قبلها قلقا على صحتها بعد أن عانت ولاتزال من السكر الذي يصل إلى 500 وحدة قياسيه وهو معدل صعب يصيب صاحبه بالضيق والنرفزة في كل شيء عدا عن الأوجاع المصاحبة له وجاء الضغط مكملا لمعاناتها وهي في السبعينيات من عمرها حفظها الله لنا من كل سوء بيد أنها مالبثت أن قالت وهي تتحجرش في كلماتها .. ماتت "بديعه" ياعبدالله ثم عاودت البكاء وعبثا حاولت أن أهديء خاطرها لكنني كنت أعيش معها هول الصدمة . لقد عاشت الخالة بديعة أم عبدالمجيد بين ظهرانينا منذ نحو ثلاثين عاما كانت خلالها نعم الجارة الطيبة والأم الحنون وادركت فينا طفولتنا وصبانا . كنت وأخوتي نهرب إليها كلما غضبت منا أمي وكانت هي الشفيع لنا من اي علقة قد نتلقاها .. وفي صباي لم اكن طفلا عاديا بل كنت معجونا بماء النار كما وصفني زوجها العم محمد مقبول عليه شآبيب الرحمة والغفران وعندما أتأخر في المساء لم يكن أمامي سوى الخالة بديعة وحتى عندما اهرب من سياط ابي الجأ دوما للخالة بديعة وهي تحاول أن تلملم شعثي وتتوسط لي دوما عند أمي وأبي .. ماتت بديعة الإنسانة الصابرة والمحتسبة عند الله مصابها في ابنها الذي ولد قبيل نحو سبعة وعشرين عاما لكنه كبقية الأطفال كان يعبث في كل شيء حتى التصقت يداه في مكيف الهواء الصحراوي ثم صعقته وتركته معاقا طوال تلكم السنون.. بيد ان الخالة بديعة لم تستكين لوجع فلذة كبدها فسعت في كل مكان وسافرت به وتوسطت عند كل مسؤول وأجرت له سلسلة عمليات لكن الطفل عبدا لمجيد الذي كبر وأصبح شابا يافعا لم يتحرك من سرير مرضه والتصقت به الأم بديعة تطببه وتعالج مواجعه وهو لايستكن حراكا.. ماتت الخالة بديعة وقد أصابها الوهن وتركت خلفها الابن عبدا لمجيد لايعرف كيف سيألو مصيره ولا إلى أين سيأوي بعد فراق أمه التي كانت تداوي آلامه . تركتنا أم عبدا لمجيد نتحسر على سنين العمر الجميل الذي فقدناه . تركتنا الخالة بديعة ننظر نحو عقارب الساعة إلى ماض لن يعود ومستقبل باهت طبع على أقفاصنا الصدرية مواجع السنين وعجزت أناملنا أن تحكي قصة الجارة الحنونة التي تركت لنا بصمة في العطاء والحنان والأمل. ماتت إحدى صديقات أمي اللواتي كنا يجتمعن عندها كل ضحى وماتت معها أجمل حكاية من عمرنا وطفولتنا الجميلة ورغم فراقنا للخالة بديعة منذ بضعة سنوات إلا أن منزلها الشامخ أمام منزلنا لايزال يحكي لنا كل لحظة عشناها عندها .. رحمك الله ياام عبدالمجيد ورحم الله من تركت بعدك . عبدالله الشريف .. مكة المكرمة