من الأمور المتعارف عليها أن ظروف البيئة وطبيعتها تؤثر سلبا أو إيجابا في السكان ، لذلك نجد شيئا من القسوة في حياة أهل الجبال و يعرف عن البدو الجلافة واشتهر سكان الشواطئ بصبرهم وسعة صدورهم والدليل على صحة هذا الامر تلك القصة المشهورة للشاعر الأعرابي علي بن الجهم الذي مدح المتوكل فقال : أنت كالكلب فى حفاظك للود & وكالتيس فى قرع الخطوب أنت كالدلو لا عدمناك دلواً & من كبار الدلا كثير الذنوب فأدرك المتوكل أنه ما أراد الا المدح وأن صورة الفضائل التي يمتلكها هي من صنع بيئته فأمر المتوكل أن يقيم في دار مطلة على نهر دجلة قريبة من الجسر حيث الحضارة ومجالسة الأدباء وبعد ستة اشهر قدم علي بن الجهم على المتوكل ثم أنشد : عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ فقال المتوكل بعد أن أنهى الشاعر قصيدته : لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة ومن هذا المنطلق تبين لدي العلاقة الوطيدة بين البيئة والسلوك ... ولنتحدث بواقعية وبنظرة معاصرة نجد أننا نشوه من غير قصد أخلاقنا لأن المسؤول عن البنية التحتية و صيانة الطرق (الأمانات والوزارات ذات الصلة ) لم يحسن في عمله فوجدنا الحفر المخيفة والمطبات بأعدادها التي لا تحصى وسوء التخطيط وكذلك الحفريات الممتدة على طول الطرق بمختلف أسبابها ( كهرباء ومجاري و و و) كل هذا التشويه في البيئة المحيطة بنا يشوه سلوكياتنا مباشرة دون أن نشعر وبهذا اكتسبنا صفات جديدة بفعل هذا التغيير السلبي في البيئة المحيطة بنا وأهم هذه الصفات أننا أصبحنا سريعي الغضب حتى أننا نواجه صعوبة في إعادة حواجبنا الى وضعها الطبيعي المريح بل اننا جعلناها في حالة (انعقاد مستمر) وقد تعلمنا من بيئتنا هذه طرقا جديدة في التحايل فكما أننا نتحايل على الحفر والمطبات أصبحنا نبحث عن اي ثغرة في اي نظام لنتحايل عليه ويكفي أن تشاهد الفوضى عند الإشارات وتطبقه على اي تجمع بشري في حياتنا لتدرك مدى التشابه بين الصورتين أصبح اللعن والشتم هو اول الكلمات التي تلقى عند اي مفاجأة في حياتك وكأنك قد وقعت فجأة في حفرة في احد الشوارع حتى تحايلنا على نظام ساهر وربطنا للحزام عند الاشارات صنع منا أشخاصا منافقين، ننافق على المراقب في العمل فنحسن في وجوده و في غيابه يغيب الالتزام إذا أردتم أن تحافظوا على (ما تبقى ) من أخلاقنا الفاضلة فاصنعوا عالما وبيئة تؤثر إيجابا في سلوكياتنا ولا تحول أيها المسؤول مجتمعك الى غابة يسودها الرعب وقانونها ( القوي يأكل الضعيف) أو صحراء يتحاشى من فيها غدر حية استترت بالرمال حمانا الله وإياكم من كل مكروه .. و اسأله عز وجل أن يحسن أخلاقنا ومن بنيتنا التحتية منصور الحارثي mr_mns@