. حين نتأمل في كلمات الغزل الدارجة , نجد فيها ميلاً إلى العنف والقسوة , حيث يكثر فيها القتل بالسيوف , وذكر الدم , والطعون بالرماح والخناجر والسهام , فكأن لون الدم لا يغيب عن العاشق , مثلما لا يغيب عن ذكره الموت , وأنه هالك من جُرّاء الحب , حتى ذلك الورد الجميل , نجد عليه نقاط الدم المعبرة عن الافتراس و أن الإنسان لا يعدو أن يكون إلا كائنًا مفترسًا , يقول جرير : كادَ الهَوى يَومَ سَلمانينَ يَقتُلُني = = = وَكادَ يَقتُلُني يَوماً بِبَيدانا إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ = = = قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ = = وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ إنسانا ويقول أبو فراس الحمداني : وَقائِعُ قَتلى الحُبِّ فيها كَثيرَةٌ = = = وَلَم يَشتَهِر سَيفٌ وَلا هُزَّ ذابِلُ أَرامِيَتي كُلَّ السِهامِ مُصيبَةٌ = = = وَأَنتِ لِيَ الرامي وَكُلّي مَقاتِلُ ويقول ابن هانئ الأندلسي : قُلْ للّتي أصْمَتْ فُؤادي خفِّضي = = = وَقْعَ السِّهامِ فقد أُصيبَ المَقتَل والشاعر ابن بيئته , ويعبر بلسان قومه , فأكثر في الغزل ذكر القتل بلا حق , والطعن , واحتراقه بنيران الحب والوله , وأنه مستهام جريح القلب مندمل الصدر , فيشبه محبوبه بالقاتل بالسيف , والطاعن له بالرمح , ومريق دمه على الأرض , وتارة يكون المحبوب سارق القلب , وخاطف النظر , وسالب العقل وغير ذلك كثير . لقد جنى المحبون من الشعراء ومن غيرهم على الحب حين جعلوه مسرحًا من مسارح المعارك , وحين جعلوه ساحة حرب يكثر فيها القتل وأخذ الغنائم , فلم يتورعوا عن تهذيب شعرهم , ولم ينفكوا عن ادعائهم الرومانسية , وبالليالي الأرجوانية , بل جعلونا نتلذذ بتلك الصور الحربية , فتلك دماء مسفوكة , وتلك أعضاء مسروقة , وتلك أرواح مزهوقة . لو تأملنا في كثرة مفردات العنف في الشعر الغزلي نجد مفردة القتل أكثرها شيوعًا , ثم استحلال الدم وإراقته بأدوات الحرب المتعددة , ثم ذكر الطعون , وسلب القلوب , ولا فرق بين شاعر جاهلي أو معاصر , فكلهم سفاحون مجرمون , ويريدون أن ننخدع بقولهم , فيكون الحب محرِّضًا على المعارك والقتل والتقتيل . لقد جهلوا أمر الحب , وراحوا يشبعونه دماءً , فراح الإنسان المحب يعشق من الألوان اللون الأحمر , إذ يهيم فيه جنونًا , ويتخذه رمزًا لحبه المتيم المولع بالآهات والتنهيدات , فالأحزان طاغية على محياه , والدموع السخينة منهمرة بلا انقطاع , فكأنهم جعلوا الحب ساحة حرب فقدوا فيها أهلهم وأحبابهم , فبئس الاعتقاد اعتقادهم . ________________________ تعليقات الزوار صالح عبدالمحسن .. بريدة .. الخبوب الشعراء ليس لهم ذنبم في تغزلهم وتطرقهم للدماء والسيوف والرماح في القصائد الغزلية , فهم يحاكون بيئتهم وما ألفوه . ألم يفعلها علي بن الجهم ذلك الشاعر البدوي في عصر الدولة العباسية البائد عندما مدح أحد أمرائها(المتوكل) بقوله : أنت كالتيس في قراع الخطوب ....... وكالكلب في الوفاء. فهو لم يقصد الإساءة ولكنه وظف مارآه في حياته في قصيدته ظناً منه أنها ستلقى قبولا....!! ولكن ذلك المتوكل كان على دراية بثقافة شعراء الصحاري وماتطبعه على أخلاقياتهم فأمر بقصر مشيدٍ يطل على نهري دجلة والفرات فتغيرت طباعه وأخلاقياته 180 درجة فأنشد قصيدة أعتبرت من عيون الشعر: عيون المها بين الرصافة والجسر..... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري أعدن لي الشوق القديم ولم أكن .... سلوت ولكن زدن جمرا على جمر فهل نلومهم بعد هذا يا أحمد....؟!!