تفاجأ الحضور للأمسية الثقافية التي أقامتها اللجنة الثقافية بالخرج على مسرح غرفة الخرج بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية – من تلك القصيدة التي دوت كلماتها كالصواعق في قوتها وكالغيمة الناعسة الممطرة في عذوبتها وكالعقد المتلألئ في ترابطه ، والتي ألقتها مهندسة الكلمة وراسمة البلاغة وعازفة الألفاظ الشاعرة منى بنت محمد السعيدي ، فهل تعرف من تكون ؟ هي الشاعرة الأستاذة منى محمد السعيدي من أعمدة الشعر في محافظة الخرج . تعمل مشرفة تربوية بإدارة التعليم بالخرج ، وهي رئيسة المجال الثقافي بالإدارة ، و مديرة لمركز تدريب الطالبات بالخرج ، ومديرة القسم النسائي لجمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات ، وعضوة في اللجنة الثقافية بالخرج التابعة للنادي الأدبي بالرياض ، وعضوة في تحكيم جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر ، وعضوة في صالون سارة الثقافي ، ورئيسة قسم في مجلة فرقد الإبداعية التابعة للنادي الأدبي بالطائف ، ومستشارة في هيئة المجلة ، مستشارة في ملتقى مجموعة الأدب الفصيح ، وعضوة في عدة لجان تطوعية وإدارية ، إضافة إلى كونها مدربة معتمدة ، شاركت في مسرح الجنادرية جناح وزارة التعليم القسم النسائي عدة مرات ، وقدمت عدة أمسيات شعرية ، وكتبت أوبريتات وطنية ، لها ديوان تحت المراجعة . وقبل أن اترككم مع جمال القصيدة ، اسمحوا لي أن أصف مواقع الحسن فيها بعين متذوق محب للشعر وليس كناقد ، فقد بدأت الشاعرة قصيدتها بمطلع شابه معلقة عنترة بن شداد : (يادار عبلة بالجواء ) وهنا قالت الشاعرة : (يا واحة الضاد البهي) مشيرة إلى أقدم عصور الشعر الذي عرفه الأدب وهو العصر الجاهلي ، ثم افتخرت باللغة العربية مرورا بعدد من الشعراء والأدباء واللغويين كالفرزدق وابن جني والخليل بن أحمد والمتنبي والزيات حتى عصرنا الحاضر ذاكرة الظاهرة حمد الجاسر ، وكأنها تقول : مستمرين ومتغنين وفخروين باللغة العربية حتى قيام الساعة ، وحتى أن يرث الله الأرض وما عليها ، وحتى أن تتردد اللغة العربية في جنبات الجنان في مقعد صدق عند عزيز مقتدر . أما توزيع القصيدة فقد قسمتها الشاعرة إلى ثلاثة أقسام : ابتدأتها الشاعرة بمناداتها للغة الضاد ومخاطبة لها ، وفي البيت الحادي عشر طلبت الشاعرة من اللغة العربية ان ترد عليهم وتتكلم بلغة المتكلم ، ثم عادت بهدوء في البيت السابع عشر مستخدمة هذه المرة ضمير الغائب حتى اختتمت القصيدة بأبيات مشابهة بقصيدة عنترة كما بدأت (ما غادر الشعراء من متردم) لتربط أولها بآخرها ، أما الصور البلاغية فماذا أعد وماذا أترك : (تزاحم المراكب / تلعثم البحر / كسوة رؤية الفرزدق / كالمكلم / مثل فيض الزمزم / منحتكم نبضي / غيماتي الحبلى تسح مناهلا ) تركت لنا الشاعرة أبياتا رائعة في الجمال والبهاء بعنوان ( واحة الضاد ! ) تقول فيها : ياواحةَ الضادِ البهيِّ تكلمي فاليومَ نُصْغِي للجلالِ المُفْعَمِ هاقدْ تزاحَمَتِ المراكبُ حولنَا والبحرُ بحْرُكِ دونَ أيِّ تلعْثُمِ لغتي بكِ الشُّعَراءُ حاكوا مجدَهم تهفو الحياةُ للحنِهم بترنُّم فلقدْ بَنَيتِ من الحروفِ معالما أقدامُها رسَخَتْ بأصلٍ مُحْكَم كمْ قد كسوتِ رؤى الفرزدقِ حُلةً سِيقتْ بحبٍ للخليلِ المُغْرَمِ ومضى ابن جنيٍّ لنسجِ حروفِها عِلْمًا يُورِّثُه لجيلٍ مُقدِمِ الخيلُ والبيداءُ شاعرُها الذي أهدى إلى الزيَّاتِ مِقْبَض مَيسَم والجاسرُ المقدام ُ في أعلامِه حمدٌ فصيحٌ .. للمجامعِ ينتمي قدْ هُذِّبُوا بيدٍ تسامَى ومْضُها أسقتهموا شهدًا لذيذَ المَطْعَم كم قد صَنَعْتِ من الحروفِ حضارةً وثقافةً تجلو لسانَ الأعْجَم قولي لهمْ إنِّي تجاوزتُ المدى و هجرتُ أيامَ الجَحُود المُؤلم لم يثنني الليلُ البهيمُ عن الورى كالفجرِ ، نوري ساطعٌ لم يُظْلِم أنا نبعُ ماءِ السلسبيلِ مشاربي .. عذبٌ قراحٌ مثل فيضِ الزَّمْزم ماخُنْتكُم يومًا ولا لمتُ الذي يمشي الهوينى حاسرًا كالمُكْلَم ومنحتُكُم نبضي وكلَّ تلهفي .. وجبرتُ كسْرَ التائهِ المتلعثِم غَيمَاتِيَ الحُبْلى تسحُّ مناهِلا .. تروي المَحَابرَ من صفاءِ العنْدم فالشَّمْسُ بعضٌ من بهاءِ ضيائها و البدرُ يعكسُ كلَّ صافٍ مُسْجَم ِ لغة هي الروح التي نحيا بها كيف الحياة بدون روح الملهم ؟؟ اليومَ نُشْعِلُ بالمساءِ شُمُوعَها بحلول قوم في بهاء المَقْدم ونقولُ للأجيالِ إنا هاهُنا نروي بشهدِ بيانِها القلبَ الظمي ونخلّدُ الكلماتِ في أشعارِنا ونقولُ إنا للفصيحةِ ننتمي ما غادرَ الفصحاءُ من متردِّمٍ ! فعمي حياةََ ، ضادَ قوميَ واسلمي