يُعد اليوم الوطنيّ أحد أهم المناسبات الوطنية التي تحتفل فيها دول العالم، وذلك للتعبير عن ضرورة الحفاظ على كافة مفاهيم الوحدة والودّ والسلام والتآخي بين مختلف فئات أبناء المجتمع، وللتعبير كذلك عن مدى اللحمة والحب بين المواطنين وحكامهم. ولتذكيرِ الأجيال الجديدة بكافة الإنجازات التي قام بها مَن سبقوهم، ولغرس القيم الحضارية في نفوس الأجيال الشابة للسير قدماً على الخطى نفسها، وتقديم أفضل صورة عن بلدهم في كافّة المحافل الدوليّة، ونشر الوعي حول ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية. ويحتفل الوطن والمواطنون منذ يوم الاثنين 23 من شهر سبتمبر 2019 بالذكرى 89 لليوم الوطني السعودي؛ تحت شعار (همة حتى القمة)؛ في رمزية تعكس مقولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: "همة السعوديين مثل جبل طويق، ولن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض". إنها همة شعب يتصف بالقوة والعزيمة والطموحات والتضحية؛ شعب يستحق وطن؛ ووطنٌ يستحق شعب مثل الشعب السعودي. اليوم الوطني للمملكة: هو اليوم المصادف لليوم الأول من الميزان الموافق 23 سبتمبر(أيلول) من السنة الميلادية من كل عام؛ وتحتفل به المملكة العربية السعودية تجديداً لذكرى توحيد المملكة وتأسيسها على يد جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود؛ الذي أعلن قيام المملكة العربية السعودية عام 1351ه (1932م)؛ حيث أعلن دستور البلاد وشرعيتها بشكل رسمي؛ وتشكلت المملكة العربية السعودية على إثر توحيد نجد والمناطق التابعة لها والحجاز وعسير؛ وذلك بعد كفاح استمر (32) عاماً؛ أرسى خلالها قواعد هذا البنيان الذي نعيشه فوق أرضه وتحت سماءه، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز؛ في ظل رؤية جديدة وازنت بين الداخل والخارج؛ وحطمت محاولات الهيمنة التي تسعى لها قوى خارجية كتب عليها الفشل أمام حزم وعزيمة القيادة الرشيدة وهمة وشجاعة شعب وفي. ولليوم الوطني السعودي دلالته التاريخية في التذكر بالإنجاز الكبير الذي حققه الملك عبدالعزيز بتوحيد المملكة العربية السعودية وبتأسيسها وقيام دولة راسخة دستورها القرآن والسنة النبوية الشريفة. كما أن له تأثير على تعزيز معاني الوحدة واللحمة بين أبناء الوطن وقيادته؛ وترسيخ التكاتف والتعاون بين أفراده بالعمل المستمر لإعلاء مجد هذا الوطن ورفعته وتحقيق ريادته العالمية في كافة المجالات. كما يرمز اليوم الوطني إلى معاني مضيئة وجوانب مشرقة في تاريخ المملكة العربية السعودية التي أصبحت دولة عظمى في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية. الوطن: الوطن في اللغة هو المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحله، والوطن هو المكان؛ وأوطن أقام متخذاً إياه محلاً وسكناً يقيم فيه. وقد أثبت القرآن الكريم هذا المبدأ العظيم من خلال معادلة بين الوطن والحياة في قوله تعالى:( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً). والوطن هو الأسرة الكبيرة التي ننعم بدفئها؛ ولا معنى للأسرة الصغيرة دون الأسرة الكبيرة؛ والوطن كالشجرة؛ لا تنمو إلا بالعناية والرعاية والتضحية. والإنسان بلا وطن هو بلا هوية؛ بلا ماض أو مستقبل. ولكي نسهم في بناء الوطن لابد من بناء لبناته الأساسية بسلامة، واللبنة الأساسية لبناء كل مجتمع هي الأسرة، فإذا كانت الأسرة سليمة نتج عن ذلك وطن سليم، والعكس بالعكس، لذا فإنّه علينا أن نغرس في أفراد أسرنا ومنذ الصغر حب الوطن وتقديره، وأنّه يتوجب عليهم أن يجدوا ويجتهدوا من أجله، وأن يتركوا لهم بصمة في هذا الوطن تدل عليهم، فالوطن لا ينسى أبناءه، ولا ينسى أسماء العظماء منهم. المواطنة: برز مفهوم المواطنة كفكرة اجتماعيّة وقانونيّة وسياسيّة ساهمت في تطور المجتمع الإنساني بشكل كبير بجانب الرقي بالدّولة إلى المساواة والعدل؛ وتطور الدولة وذلك بإشراك المواطنين بالحكم وضمان حقوقهم وواجباتهم. وهي تتضمن انتماء المواطن لوطنه النابع من حبه له، وخدمته له في كافة الأوقات والأحيان، واحترام المواطنين الآخرين الذين يعيشون معه على الأرض ذاتها، والذين يتقاسم وإياهم الغذاء، والشراب، والماضي، والحاضر، والمستقبل. حب الوطن: حب الوطن فطرة بشرية رفع من شأنها الإسلام، لذا اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام يكون قتاله فرض عينٍ على كل مسلم، ويؤكد ذلك التقدير والتعظيم حنين الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اُخرج من مكةالمكرمة مكرهاً فقال بعد أن التفت إليها: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت). إن حب الوطن مبدأ لا ينكره عقل ولا يرفضه لبيب، إنه انتماء فريد وإحساس راقي وتضحية شريفة ووفاء كريم، وليس فقط لباساً أو لهجة أو جنسية أو قانوناً أو أصباغاً على الوجه أو هتافات. إنه أسمى من ذلك. حب الوطن ليست أقوال لا تصاحبها أفعال؛ بل هي عمل واجتهاد من أجل بناء وطن أفضل؛ وليس أعلام وشعارات وعبارات بلاغية تردد في المناسبات، بل هو تعبير عن الانتماء الحقيقي والكامل إلى بلاد وتاريخ وأرض ومسار. إن حب الوطن إحساس صادق بأن مصلحة المواطن تكمن في مصلحة وطنه، وأن الأوطان بأبنائها؛ وأن الإنسان لا يكبر إلا بإعلاء وطنه، وأنه لا سبيل لتطور هذا الوطن إلا بتضافر جهود أبنائه وإخلاصهم في الولاء له. حب الوطن هو تفانيٍ في العطاء؛ وشعور بالولاء والانتماء له؛ حب الوطن إحساس مرتبط بالشعور بالحب الحقيقي اليه والتضحية لأجله؛ حب الوطن هو العمل بشرف في رقيه وتقدمه، وخدمته وبنائه والمحافظة على مكتسباته ومدخراته وممتلكاته. إن حب الوطن يتطلب العمل على تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية ووحدة الصف؛ ودرأ الفتنة؛ وكل ما يثير الاختلافات المؤدية الى تفرقة الشعب، كما يتطلب حب الوطن احترام أنظمة وقوانين ولوائح الدولة وتطبيقها؛ من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ونموه وازدهاره. إن حبنا للوطن يستلزم طاعة ولي الأمر وتنفيذ أوامره وتطبيق مفهوم السمع والطاعة لولي الأمر بواقع فعلي عملي. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، كما يستلزم حب الوطن قبول بعضنا البعض والتعاون للعيش بأمن وأمان مع بعضنا البعض؛ إن حب الوطن هو الوفاء له وتقديم كل غال ونفيس لأجل الحفاظ عليه.
بقلم د.حمد بن عبدالله القميزي عميد كلية المجتمع بالخرج