روى رئيس الاستخبارات السعودية السابق وسفير المملكة الأسبق لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان، تفاصيل مثيرة حول واقعة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وعلاقة الأخير المتوترة مع الرئيس السوري بشار الأسد. وأوضح الأمير بندر في سلسلة مقابلاته مع “إندبندنت عربية”، أن بشار بدأ بعد توليه رئاسة سوريا في القيام بتصرفات غريبة، أبرزها زيارة إيران، وحدوث تحركات غريبة لسوريا في لبنان، كما أن العلاقة القديمة بين بشار والحريري كان بها الكثير مما يحمله بشار في صدره. تهديد بالقتل وقال الأمير بندر بن سلطان إن الرئيس رفيق الحريري بدأ يشتكي من تصرفات بشار، لافتا إلى أنه أثناء فترة التجديد للرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، نجح الحريري في إقناع النائب وليد جنبلاط ونبيه بري وبعض المسيحيين وقتها بأنه لا ينبغي التمديد لإميل لحود. وأضاف “ذهب مدير الأمن العام اللبناني جميل السيد إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري (بإيعاز من بشار)، ويبدو أن الزيارة كانت للتهديد، وبعد اللقاء بين جميل السيد ونبيه بري، أعيد التصويت ووافقوا على التمديد للحود”. وأشار إلى أن رفيق الحريري غضب واستقال، وعيّن سليم الحص رئيساً للوزراء، وجرت انتخابات بعد فترة، عمل فيها رفيق الحريري الغاضب، بجهد مع المسيحيين والدروز والسنة، وخرجت النتيجة بأغلبية لصالحه. وتابع “الأحداث معروفة، جن جنون السوريين، ونقلوا رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان اللواء غازي كنعان، وأصبح وزير داخلية، وتم تعيين اللواء رستم غزالي كبديلٍ عنه. وتلقى رفيق الحريري تهديداً بالقتل، فاستقل طائرته وجاء إلى السعودية وأخبر الملك عبدالله بما حدث”. استهداف ولي العهد وانتقل الأمير بندر إلى قصة حدثت في العام في العام 2002، حيث عقدت القمة العربية في بيروت، قائلا: “وصلتنا معلومات حول إمكانية تنفيذ عمل إرهابي يستهدف طائرة الملك عبد الله ولي العهد آنذاك، خاصة أن الضاحية الجنوبية، منطقة حزب الله تمتد حدودها حتى سور مطار رفيق الحريري الدولي. اقترحنا على الملك عبد الله – ولي العهد في ذلك الوقت- الذهاب إلى دمشق، والتوجه بالسيارة إلى بيروت من هناك. سُعد بشار الأسد بهذه الخطوة، وتوجّه رفيق الحريري وإميل لحود إلى الحدود اللبنانية السورية لاستقبال الملك عبد الله”. وأوضح أنه خلال تلك القمة كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سيلقي كلمة، و منعه السوريون من الحضور وقتها، وحين عرفوا أنه قد يلقي خطاباً عبر الأقمار الصناعية، أبلغوا إميل لحود بأن يقطع الإرسال عليه لمنع بث كلمته”. هجوم وشتائم وعاد الأمير بندر لقصة الحريري مع بشار مجددا، قائلا: “إن رستم غزالي ذهب إلى الحريري وأبلغه برغبة بشار في لقاءه، فتشاور مع أكثر من شخص، فوليد جنبلاط قال له لا تذهب للأسد، عد إلى السعودية لفترة، وقال له نبيه بري إن ذهبت وحدث لك شيئ فهم المسؤولون، واستقال الحريري وقتها وقرر الذهاب لدمشق، وقبل أن يذهب التقى بعبدالحليم خدام الذي طلب منه عدم التعليق على ما يقوله بشار وقال له: بعد أن تلتقيه عد إلى بيروت ثم اذهب إلى المملكة، لأنني أرى تحركات واجتماعات مريبة. وكان خدام يقصد اجتماع بين بشار والأجهزة الأمنية وأطراف أخرى”. وأضاف: “عند دخوله على بشار الأسد، لم يجد الحريري وزير الخارجية فاروق الشرع أو عبدالحليم خدام، بل وجد غازي كنعان – الذي انتحر بثلاث طلقات في رأسه لاحقاً ولأول مرة نعرف أن شخصاً ينتحر ثم يضع المسدس على المكتب. مات جميع الضباط لاحقاً، وتم إخفاء كل دليل مادي يوصلك إلى من قتلِ الحريري- قصة الأسد مع الحريري معروفة، بدأ الأسد بالشتم والهجوم وقال له نفّذ كل ما يطلبه منك لحود واذا كنت تعتقد بأن علاقتك مع الملك عبدالله والسعودية، وجاك شيراك ستحميك “والله لأطبق لبنان على رأسك أنت ووليد جنبلاط”. اغتيال الحريري وتابع “من كثرة الشتم والتهجّم عليه نزف الحريري دماً من أنفه نتيجة للشحن والضغط الذي تعرض لهما بعد ما سمعه من كلام وتهديد. مر خدام بالحريري وقال له: ألم أقل لك؟ فرد الحريري، سأستقيل ولن أتحدث مع أحد، لكنني لن أخرج من لبنان. توجه الحريري إلى جنبلاط وأخبره بما حدث، وبعد هذه الحادثة بأسابيع وقع تفجير واغتيل الحريري، واتصل الملك عبدالله ببشار وأسمعه كلاماً قاسياً، وكان بشار يقسم بالله بأن لا دخل له، فجاء رد الملك: إن لم يكن لك علاقة بالموضوع إذاً سلّم من لهم علاقة، نعرف جميعاً أنه لا يمكن أن يحدث شيئ في لبنان دون تدخل منك. وطلب الملك تسليم المطلوبين”. وفق “أخبار 24”. وواصل الأمير بندر سرد قصة ما بعد اغتيال الحريري قائلا: “طلب مني الملك عبدالله الذهاب إلى بشار الأسد، وهذه كانت المرة قبل الأخيرة التي أراه فيها تقريباً. فتوجهت إليه في دمشق، وقلت له تعاون مع المحكمة الدولية. فأجابني: “أخ بندر ما فيه دليل، شو الدليل”. قلت له: هذا يعود للمحققين، لدينا علم بالزيارة الأخيرة لرفيق الحريري وماذا قلت له. فرد بشار: غير صحيح، جاء وقال إنه يريد أن يستقيل قلت له هذا أمر يعود لك واستقال. قلت له: غير صحيح، هو استقال ثم جاء إليك بعدها. غضب الملك عبد الله من بشار وأوضح الأمير بندر أنه نصح بشار بتفادي غضب الملك عبدالله، وأخبره بأن لجنة تحقيق دولية ستتشكل، لكن بشار رد بأنه لن يسمح لضباطه بالذهاب إلى لبنان للتحقيق معهم. وأردف قائلا: “لم يكن السعوديون وحدهم من يشعر بالمرواغات من قبل بشار الأسد، بل إن أحد أعضاء فريق التحقيق – ألماني الجنسية – قال بعد عودتهم من دمشق أنه يجب عليهم المغادرة”. وروى الأمير بندر تفاصيل الزيارة الأخيرة لبشار إلى المملكة باستدعاء من الملك عبد الله، قائلا: “في آخر زيارة له للسعودية، أتى الأسد ومعه فاروق الشرع، وكانت الإشكالية لبنان، ومقتلِ رفيق الحريري وتسليم الضباط للأمم المتحدة، فقال بشار للملك عبدالله يا جلالة الملك، الحقيقة أنا لست عاتباً ولكن اللبنانيين سيئون ويقول صحفيوهم بأنك مستاء مني، فقال له الملك عبدالله: “بشار أنا أعرف عمك قبل والدك، ثم عرفت والدك، ولا تستطيع أن تقول عنه أي شيء غير أنه (حافظ) صادق، لم يكذب أبداً. أما أنت، فكاذب ثم كاذب ثم كاذب، كذبت على بندر وكذبت عليّ وأنا أسامح في كل شيء إلا من يكذبون عليّ”. يكمل الأمير سرد القصة أن غضب الملك كان من خديعة بشار ومرواغاته، رغم وقوف السعودية إلى جانبه منذ اليوم الأول لتوليه الحكم، وبعد وصف الملك عبدالله له بالكاذب، توجه الأمير سلطان نحو بشار ليقله إلى المطار فقال الملك سلمان والذي كان أميراً للرياض وقتها، احتراماً للأمير سلطان، أنه هو من سيوصل بشار إلى المطار. يقول الأمير بندر: “وبعد ذهابه، ظننا جميعاً أنه سيرد ولن يرضى بما قيل له. لكن الجميع استغرب كيف ظهر القلق عليه، وثنى قدميه تحت الكرسي من القلق حين كان الملك يقول له أنت كذاب كذاب كذاب”.