يتجدد النقاش بين فترة وأخرى على الصعيد الرسمي والشعبي في السعودية، حول التجنيد الإلزامي، إثر الدعوات التي تنطلق في البلاد «لتجنيد الشبان وتجهيزهم»، آخرها من منبر المفتي العام للمملكة، الذي رأى فيها «ضرورة حتمية لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمة الإسلامية». وتباينت الآراء ما بين مؤيد ومعارض لفكرة التجنيد الإلزامي، إذ رأى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية اللواء المتقاعد الدكتور أنور عشقي أن التجنيد الإجباري في السعودية «بات ضرورة ملحة للشباب في الوقت الحالي، إذ يجب أن نقرأ الأحداث المستقبلية قبل فرضه»، موضحاً أن أحد أهم فوائد التجنيد بالنسبة إلى الشباب هو تعليمهم الانضباط، والتعود على المصاعب والجلد والصبر في الحياة، إضافة إلى أنه طريق نحو القضاء على البطالة حسب صحيفة "الحياة". وطالب عشقي بتطبيق الفكرة لكن بشكل منطقي، وليس تعسفياً، بمعنى «مراعاة أصحاب الظروف الخاصة، وذوي الأعمال المهمة التي لا تتحمل غياب أصحابها فترة طويلة، إذ يجب أن تؤخذ تلك في الاعتبار»، مشيراً إلى أن «الدين الإسلامي لا يعارض تلك الفكرة، والتي ترتكز على حماية الوطن، وخدمة العلم». وقال: «توجد آراء بزيادة أعداد المنتسبين إلى الجيش السعودي، أو التطوع بالتدريب الكامل لمدة لا تتجاوز الأسابيع، ليعودوا بعدها إلى أعمالهم العامة، وكل تلك الآراء منطقية ومحل الدراسة، بيد أن التجنيد الإجباري لا التعسفي لا تقتصر أهدافه على الخدمة العسكرية فقط، أو التعامل مع السلاح، بل يتم إكساب المجندين مهارات جديدة مثل الانضباط، والصبر». وهناك من رأى في التجنيد حلاً لبعض الظواهر الاجتماعية السلبية الخاصة بالشباب، إذ أوضح الخبير في الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب الدكتور أحمد الموكلي في تقرير سابق ل«الحياة» أن «تدريب الشبان على الشدة والقوة والاعتماد على الذات سينعكس إيجاباً على شخصيتهم وسلوكهم وأدائهم، حتى في حياتهم الخاصة»، مضيفاً أن «الطفرة التي عاشتها المملكة في السابق أنتجت في بعض فتراتها جيلاً من الشبان الاتكاليين (البعض وليس الكل)، الذين ليس لهم جرأة على تحمل المسؤولية». وعلى النقيض من ذلك، عارض كثيرون فرض التجنيد الإلزامي في السعودية، إذ رأى البعض أن التجنيد سمة المجتمعات التي تميل إلى العنف والقمع، ففي حديث سابق إلى «الحياة»، قال الباحث الشرعي زبن الخماش إن «تطبيق الخدمة الإلزامية يكرس فكرة عسكرة المجتمع، وفرض مبدأ القوة في الحلول، والذي يأتي نتيجة إلى التجنيد الإجباري الذي يفرض على الشعوب»، مبيناً أن «التجنيد ليس خياراً جيداً بالضرورة، فالدول التي تتصدر الآن اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، وأخلاقياً ليس لديها جيش، عوضاً عن أن يكون لديها مواطن مقاتل»، مستدلاً بذلك بدولة اليابان. وأضاف الخماش «أنظر في المقابل إلى الدول التي تعتمد على الحشود الشعبية وعسكرة المجتمع تقع في ذيل القائمة اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً كإيران». وأيد الرأي السابق اللواء المتقاعد الدكتور سعد الشهراني، إذ رأى أن «التجنيد الإجباري أو خدمة العلم – كما يسمى أحياناً – لا يتقرر بناء على أزمات أو حروب عارضة، بل يسن ويشرع بقانون بعد دراسات مستفيضة، والجيوش المحترفة المزودة بالتقنيات الذكية هي المعول عليها، وإذا رأت حكومة خادم الحرمين الشريفين أن ذلك مطلوب ومفيد وضروري، فربما تقرر الطريقة التي ينفذ بها، علماً بأن شبان وفتيات المملكة مستعدون في أية لحظة للدفاع عن المملكة، ودعم قوات الأمن والجيش».